مع الفطرة السليمة وبعده عن العنف، لا يدري أحد أي مجتمع كان سوف يكون عليه هذا المجتمع المعطر بأريج النبوة.
ولو كان في عصر ليست فيه كل ما شاهدنا من عوامل عطلت الفتوحات وفرقت كلمة المسلمين وأضعفت بل وأنهكت قواهم والله وحده أعلم ما كانت ستكون عليه الأمة الإسلامية الصاعدة من تطور كبير فقد كان على حد تعبير ضرار له: كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطلق الحكمة من لسانه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وكان غزير العبرة، وطويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، وكنا والله مع قربه منا لا نكاد نكلمه لهيبته، يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، لا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا على لحيته يبكي ويقول: يا دنيا غري غيري.
وكان من أعظم فقهاء وفرسان الإسلام وذهب شهيدا وبقيت أفكاره وآراؤه وقصة حياته مثلا أعلى لإنسان عاش لله وبالله وسوف تتردد دائما كلمة النبي عليه الصلاة والسلام عبر كل العصور عنه: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. رحمه الله.
ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور أحمد شلبي أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة في " موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية " (ج 1 ص 291 ط مكتبة النهضة المصرية) قال:
لا شك أن علي بن أبي طالب يقف في القمة بين العلماء، فهو أول من أسلم من الصبيان، وكان يعيش في بيت الرسول. ومن هنا كان أسبق من تلقى عنه، وكان أصفى المؤمنين قلبا: وأبعدهم عن ترف العيش، إذ أصبح منذ نشأته وهو يرى الرسول مثله الأعلى وأمله في الحياة، فتخلق بأخلاقه، واغترف من فيض علمه، ثم