وخرجت في حشدة نسائها، ولمة من قومها تجر أذراعها، ما تخرم من مشية رسول الله صلى الله عليه شيئا، حتى وقفت على أبي بكر، وهو في حشد من المهاجرين والأنصار، فأنت أنه أجهش لها القوم بالبكاء، فلما سكنت فورتهم، قالت: أبدء بحمد الله، ثم أسبلت بينها وبينهم سجفا، ثم قالت: الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن والاها، جم عن الاحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها، وتفاوت عن الادراك آمالها، واستثن الشكر بفضائلها، واستحمد إلى الخلائق بأجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها، وأشهد أن لا إله إلا الله، كلمة جعل الاخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنى في الفكرة معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الأوهام الإحاطة به، ابتدع الأشياء لا من شئ قبله، واحتذاها بلا مثال لغير فائدة زادته، إلا إظهار لقدرته، وتعبدا لبريته، وإعزازا لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، والعقاب على معصيته زيادة لعباده عن نقمته، وجياشا لهم إلى جنته، وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله، اختاره قبل أن يجتبله، واصطفاه قبل أن ابتعثه، وسماه قبل أن استنجبه، إذ الخلائق بالغيوب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علما من الله عز وجل بمآئل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواضع المقدور، ابتعثه
(٢٩٧)