واحد واحد من الوقائع الجزئية فغير قابلة لرفع أدله التكاليف، لعدم سلامتها إما في نفسها بضعف السند، أو لابتلائها بالمعارض الأقوى من سنخها كالطائفة المعتبرة للضرر المبيح للمحظورات في شخص القضية في خصوص الفاعل.
فاذا القدر المتيقن في رفع اليد عن التكاليف الواقعية ما تضمنته الطائفة المتوسطة الدلالة على إناطتها بالضرر، ولكن لا على نحو سائر الضرورات بل الأمر فيها أوسع منها، كما هو مفاد جملة من أخبارها، لعدم ملاحظة فعلية الضرر فيها، بل متوقعه أيضا مثل الفعلي وإن كان بعد سنين.
كما أن الضرر الواجب الدفع غير مختص بالفاعل، بل يعمه وسائر الشيعة، ومنه يأتي اخفاء الجزئيات من المسائل، ولو بعد معلومية كون الشخص شيعيا، بل ولو مع معلومية ارتكاب الشيعة عندهم إجمالا، لخلاف ما هو عليه في تلك المسألة، وهو الجامع أيضا بين مختلفاتها كما بيناه، فعليه ينحصر التقية باخفاء المذهب عن المخالفين ويراعي في غيرهم من المنافقين من أهل المذهب أو الكفار فعلية الضرر كسائر الضرورات والأعذار.
نعم إذا كان المخالف عند اطلاعه على المذهب مع كون الفعل مستنكرا عنده يشمئز نفسه بصدره عن كل أحد كالسجدة على التربة أو قول " حي على خير العمل " في الأذان والإقامة يجب أن يعامل الفاعل معه معاملة التقية، سيما مع إمكان الإخفاء بأن يظهر أن هذا ليس مذهبا لتمام الشيعة، وأهم من ذلك في لزوم الإخفاء ما يكون ارتكابه موجبا لكفر مرتكبه ووجوب قتله فورا عندهم كسب الشيخين مثلا.
فعلم من جميع ما ذكرناه أن قوله (قدس سره): " بل الظاهر استحباب التحبب إليهم فيها بالتقية " كما هو مفاد جملة من أخبار الباب (1) على إطلاقه غير تام، لعدم صلاحيتها لرفع اليد عن الأحكام الواقعية الثابتة بالأدلة المعتبرة، فليحمل تلك الأخبار على ما لا يلزم منه مخالفة للواقع من المعاشرة المتعارفة أو إعمال التورية