اعتبارهم وجوب قصد الوجوب والندب لأنفسهما لا لذلك، كما عن صريح العلامة في غير واحد من كتبه من أنه: " يجب استحضار وصف الوجوب أو الندب، ولو لم يحصر إلا بإعمال روية، وأنه يجب استعلامه بالاجتهاد أو التقليد " انتهى.
فإن ظاهر هذا الكلام هو قصد الوصفين بخصوصهما لا لأجل التميز، بل هو صريح فيه، وحينئذ نقول: إن أرادوا الوجوب والندب الشرعيين فمن الواضح أن مرجع جعلهما غاية إنما هو إلى لزوم نية القربة، حيث إن أحد مراتبها هو إتيان المأمور به بداعي أمره، مع أنك تراهم أنهم يعتبرونه مضيفا إياه إليها.
وإن أرادوا منهما العقليين كما يومئ إليه اعتبارهما على وجه الوصفية أيضا على ما فهمه عنهم الشهيدان على ما حكي عن الذكرى نسبته إلى المتكلمين حيث قال: " إنهم لما أوجبوا ايقاع الواجب لوجوبه أو وجه وجوبه جمعوا بين الأمرين يعني الوصف والغاية فينوي الظهر الواجب لكونه واجبا " انتهى.
ففيه: أنه لا دليل على اعتبار هذا المعنى، كيف؟ وأكثر العوام وجمع من الخواص لا يعتقدون ثبوته، بل اعتقادهم أنه يكفي في التكليف حسنه، ولا يجب أن يكون المكلف به أيضا ذا حسن كما يعتقده العدلية، هذا مع أنك ترى ما في تكليف العامة به، وبتعلمه من المشقة البالغة والتكليف بما لا يطاق منفي عقلا وشرعا.
فتم أن أدلتهم على الوجوب تلك الوجوه الثلاثة واتضح لك عدم تمامية شيء منها.
قوله (قدس سره): (ولا غيرهما من الصفات والغايات كرفع الحدث والاستباحة) بأن ينوي الوضوء الرافع أو المبيح أو يكون الداعي لإتيانه رفعه للحدث أو إباحته للصلاة، لما تقدم في نفي وجوب قصد الوجوب والندب.
والقول بوجوبهما معا هو المحكي عن ظاهر الكافي والغنية والوسيلة والاصباح، وعن الرازي والمصري والقاضي، وبأحدهما عن المبسوط وموضع من الوسيلة والسرائر مدعيا عليه إجماعنا، وعن المعتبر وأكثر كتب العلامة