ثم إنه حكي عن سرائر الحلي استثناء كثير الشك عن هذا الحكم، وهذا هو الذي نبه عليه الماتن بقوله: (وكثير الشك لا عبرة بشكه)، وهو المحكي عن الشهيدين والمحقق الثاني وصاحب المدارك وشارح الجعفرية وكاشف اللثام، وغيرهم من المتأخرين. والمراد به العمل بالاحتمال في مقام لا يحتمله غيره سواء كان عنده راجحا أو مرجوحا أو مساويا، كما ذكره الأستاذ طاب ثراه.
واستدل عليه مضافا إلى الحرج بقوله (عليه السلام) في صحيح زرارة وأبي بصير:
" لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطيعوه، فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرن نقض الصلاة فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد اليه الشك - ثم قال زرارة: - قال (عليه السلام): إنما يريد الخبيث أن يطاع فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم " (1). وبقوله (عليه السلام): " إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك، فإنه يوشك أن يدعك فإنما ذلك من الشيطان " (2). وبصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " ذكرت له رجلا مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت له:
هو رجل عاقل، فقال (عليه السلام): وأي عقل له وهو يطيع الشيطان؟! فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله هذا الذي يأتيه من أي شيء هو؟ فإنه يقول لك: من عمل الشيطان ". انتهى.
وهو كذلك، لعموم التعليلات المذكورة ولأنه هو الوسواس الذي ذكر الشيخ الكبير في كشفه في المقصد الحادي عشر من المقام الثاني الذي جعله في جملة من العبادات أن له مرتبة العيوب التي هي نفس خسران الدنيا والآخرة، أو هو مقدمة لها أو شريك معها في العيبية والموبقية، وانجراره اليهما عند الاعتناء به والعمل عليه مما لا خفاء فيه، فنعوذ بالله من مخائل الشيطان ومكائده.
قوله (قدس سره): (كما أنه لا عبرة به) أي بالشك (بعد الفراغ سواء تعلق بشرط أو شطر) لما عرفته من عموم أخبار الباب من عدم الالتفات بعد الفراغ