اخرى لا يكون تحصيل هذا الفرد من المقدمة واجبا عليه فعلا، لأنه لا يتوصل به إلى الواجب، وليس ذلك لحصر الواجب منها بالفرد الموصل كي ينافي قولنا وجوب الطبيعة، بل إنما هو بلحاظ أن المقدمة لما كان وجوبها للتوصل لا لذاتها فلا يجب ايجاد فرد منها لا يكون موصلا لا فعلا ولا شأنا وإن كان لو أوجده يتصف في الخارج بالوجوب، لصدق الطبيعة الواجبة عليه.
وهذا معنى ما قلناه: " إنه واجب له حكم المستحب " لقيام معنى المقدمية به، وهو توقف الواجب عليه وترتب حكم المستحب عليه، لأنه أتى بداعي التوصل به إلى غاية مندوبة كما به تبين أيضا ما في المحكي عن جمال المحققين من وجوب وضوء آخر للصلاة لو لم نجوز التداخل، لما عرفته من أن سقوط الواجب حينئذ ليس لأجل التداخل ولا لسقوط الواجب بالمستحب، بل لحصول نفس الواجب في الخارج من جهة أن المطلق بالطلب الوجوبي والندبي حقيقة واحدة غير قابلة للتعدد، ولعله لذا اتفقوا كما ادعاه الأستاذ - طاب ثراه - على أن من أتى بوضوئه جامعا لشرائطه ناويا به الرفع أو استباحة الصلاة ارتفع حدثه وإن لم يعقبه بالصلاة التي نواه لها، بل مطلق الصلاة وله أن يأتي به كل ما يتوقف على الرفع صحة أو كمالا بمعنى حصوله كاملا.
إذا تبين لك مما قدمناه أن مطلوبية الوضوء إنما هو لرفع الحدث وأن الرفع مترتب على ايجاده بداعي الأمر لم يبق مجال للقول بوجوب شيء آخر في النية عدا قصد الفعل متقربا به، هذا. مع ما سيتلى عليك من عدم وفاء ما أقاموه دليلا لوجوب ما عدا ذلك على وجوبه.
وبهذا البيان اتضح تمامية الحكم السابق وصحة ما ذكره (قدس سره) من التفريع بقوله (قدس سره): (فلا يجب نية الوجوب والندب وصفا ولا غاية وإن كان أحوط) وجه الاحتياط الخروج عن خلاف من أوجبه كما نسب الأستاذ - طاب ثراه - اعتباره إلى المشهور، بل عن ظاهر الفاضلين في المعتبر والتذكرة عدم الخلاف فيه إلا عن بعض العامة كأبي حنيفة وابن أبي هريرة، ولكن مع ذلك