أدلة الجاري له لو لم يكن معلوم العدم فلا أقل في أنه مشكوك فيه، فيسلم الطرف المقابل عن المعارض.
قوله (قدس سره): (وماء الغيث حال نزوله بحكم الجاري في عدم نجاسته وإن قل إلا بالتغيير، أما ما انقطع وكان قليلا فإنه ينجس بالملاقاة، لأنه من الراكد حينئذ) أما الحكم الأخير وهو نجاسة ما بقي عنه على وجه الأرض بعد انقطاع المطر فلما ذكره (قدس سره) من أنه من أفراد الراكد المعتبر في اعتصامه الكرية.
ولا مجال للتأمل فيه، بل يمكن دعوى الإجماع المحصل عليه، ولم يوجد ما يخالفه إلا ما في المستند من حكمه بعدم انفعال ما كان جاريا منه حينئذ تبعا لما حكاه عن ظاهر المنتهى.
وعندي عدم دلالة العبارة المحكية عن المنتهى على مرامه، لأنه حكي أنه قال: " أما إذا استقر على الأرض وانقطع التقاطر ثم لاقته نجاسة اعتبر فيه ما يعتبر في الواقف، لانتفاء العلة التي هي الجريان " انتهى.
وأنت ترى ظهور قوله (رحمه الله): " إذا استقر على الأرض " في استقرار المطر عليها، بمعنى وقوعه عليها وسكونه فيها وعدم بقاء شيء منها في الهواء نازلا، فهو كناية عن قطع نزوله رأسا، ولذا عطف عليه مفسرا له قوله: " وانقطع التقاطر " الذي غير خفي كونه عطفا تفسيريا للأول، وإلا لزم لغويته، لعدم ارتباطه باستقرار المياه الحاصلة من المطر على الأرض بمعنى سكونها عن الحركة والجريان، لانفصال كل منهما عن الآخر بزمان طويل.
ولا يتوهم أن قوله: " إذا استقر " أريد به بيان الفرد الغير الجاري من مائه أصلا كالمستند، ليكون ماء المطر إذا انقطع تقاطره ونزوله ينظر، فما كان من مائه الموجود على الأرض حينئذ مستقرا عليها أي ساكنا فيها غير جار عليها فهو الذي حكمه حكم الواقف لا الذي لم يستقر وكان جاريا عليها.
فإنه مدفوع; بأنه ليس هذا معنى قوله: " إذا استقر " بل الظاهر أنه يريد أن يبين حكم مطلق ماء المطر حال قطع المطر عن النزول، ويكون قوله لانتفاء العلة التي