ما نستدل به على وجوب البدأة بالأعلى.
فتبين أن النكس في غسل الوجه كما هو دأب غيرنا غير مجز بمقتضى تلك الروايات، وبمقتضى ما ورد من عدم جوازه في غسل اليد كما ذكر في جملة من روايته بعد ضم عدم القول بالفصل اليه كما حكاه الأستاذ - طاب ثراه - عن ظاهر الفاضلين والشهيد وجماعة، وبعد ضم استسلام الشيعة لتلك الكيفية المنبئ عن كونه واصلا إليهم يدا بيد بحيث أخذه كل خلف عن سلفه الدال على أنه هو ما أتى به صادع أمر الدين وشارع الأحكام على الوجه المبين، فلا يبقى بعده شك في عدم جواز النكس بوجه.
ومن الكلام في الجهة الاولى تبين حال الجهة الثانية، وأن الأقوى فيها أيضا الوجوب، لقوله (عليه السلام): " لا تلطم وجهك بالماء لطما... الخ " كما قدمناه، فإنه (عليه السلام) منع عن غسل الوجه لطما لاستلزامه فوت البدأة بالأعلى، وفوت تحقق غسل الوجه من الأعلى فالأعلى، فأمره بايجاد الغسل على وجه يحصل معه البدأة المطلوبة في غسل الوضوء بقوله (عليه السلام): " ولكن اغسله من أعلى وجهك... الخ ".
ومن تقابل نهي اللطم بهذا الأمر الظاهر في الوجوب بحيث يغسل به الأسفل والأعلى معا ويفوت معه الابتداء من الأعلى غير مجوز كما أشرنا إليه ودفعنا به ما أورده الشيخ الأستاذ على الرواية من حمل الأمر فيها على الندب بقرينة تقابله للنهي عن اللطم الذي هو للكراهة، لعدم حرمة الصب المقدمي الواقع على وجه اللطم هذا. مضافا إلى ظهور نفس الفقرة في إرادة تمام الغسل بنفس اللطم باعتبار الاكتفاء بذكره وحده في مقام بيان كيفية غسل الوجه.
ويمكن استفادة وجوب هذا المعنى من الوضوءات البيانية أيضا بالتقريب الذي تقدم من استفادة مدخلية الكيفية المحكية في حصول المطلق من غسل الوجه منها، وقد عرفت تضمن الحكاية لكون الغسل من الأعلى.
ثم لا يخفى عليك أنه بعد تسليم ثبوت وجوب الابتداء من الأعلى لا بد أن يحمل على الحقيقي، لعدم دليل على جريان المسامحة العرفية فيه، لعدم قيام قرينة