وهذا معنى ما حكي عن سيد المدارك حيث قال: واعلم أن أقصى ما يستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب وجوب البدأة بالأعلى، أعني صب الماء على أعلى الوجه، ثم اتباعه بغسل الباقي، ومقصوده (قدس سره) أنه لما استفيد من الأدله وجوب البدأة بالأعلى ولا مجرى للمسامحة العرفية في الأحكام الشرعية في غير المنساق منها على وتيرة العرف وفي غير المحمول منها عليهم، فلا بد من الأخذ فيه بالمعنى الحقيقي، فلذا قلنا بأن البدأة لابد أن يكون بجزء ليس فوقه جزء، لكن لا يكفي الابتداء بجزء يسير من الأعلى مثل مقدار إصبع مثلا وتأخر الباقي كما هو المحكي عن بعض. كما لا يجب الابتداء بتمام الخط العرفي من الأعلى من الوجه واليدين دفعة واحدة، إذ هو خلاف الوضوءات البيانية كما هو واضح، بل المرجع هو المتعارف كما هو مفاد إمرار يده (عليه السلام) على طرفي وجهه وعلى طرفي ساعده بعد وضعه الماء على جبهته ومرفقه.
ولعل مراد الماتن من عده الابتداء بالأعلى أيضا عرفيا هو هذا لا الابتداء المسامحي.
وأما وجوب الغسل من الأعلى إلى الأسفل الذي معناه غسل الأعلى فالأعلى فهو مأخوذ من فعله (عليه السلام) مسح وجهه من الجانبين، ومن قوله: " اغسل من الأعلى إلى الأسفل مسحا " الذي هو عين ما عند العرف من الغسل من الأعلى إلى الأسفل مسحا، فلا بد من العمل فيه بما هو مقرر عند العرف من ايجادهم غسل الوجه من أعلاه إلى أسفله، لا أن يعامل فيه بما يقتضيه لزوم تقديم كل جزء يسير عال حقيقة على ما هو دونه كذلك في تمام الوجه.
ولذا قال السيد المتقدم ذكره على ما حكي عنه: " وأما ما تخيله بعض القاصرين من عدم جواز غسل شيء من الأسفل قبل غسل الأعلى وإن لم يكن في سمته فهو من الخرافات الباردة والأوهام الفاسدة " انتهى. ونعم ما أفاد، لأنه مع الغض عن أنه قول بغير دليل كما عرفت فيه أنه متعذر حقيقة كما نبه عليه الشيخ الأستاذ - طاب ثراه -.