أكثر وضوءات الناس، إذ من المقطوع به أنه يغسل مع الجزء الأعلى غيره دفعة واحدة، لوضوح أن ليس المراد من وجوب البدأة بالأعلى وإن عممناه لكل جزء عالي وقلنا بوجوب غسل الأعلى فالأعلى المنع من المقارنة اليسيرة، كما ستعرف حقيقة الحال فيه عند الكلام في الجهة الثالثة، بل المقصود هو منع النكس وايجاد المقارنة بمعنى غسل تمام الوجه دفعة واحدة.
ولا يذهب عليك أن هذا مناف لكلمات القوم، لأ نك تراهم يفرعون على وجوب البدأة بالأعلى عدم جواز النكس ولو يسيرا، فيلزم على ثبوت هذا المعنى أن لا يجوز المقارنة أيضا كذلك، وفيه ما عرفته من المحذور، لأ نا نسلم أن المستفاد من الأدلة التي قامت على اثبات وجوب البدأة بالأعلى هو منع النكس ولو يسيرا، ومع ذلك نقول بجواز المقارنة في أجزاء يسيرة لعين تلك الأدلة، ولم يمنعوا عنه أهل هذا القول كما ينادي به كلماتهم.
والمختار في المقام الثالث أيضا هو الوجوب، لكن بمقدار ما تفيده الأدلة وليس هو المعنى الا العرفي لا الحقيقي، ومنه يعلم اختصاصه بخصوص المسامت، لأن الدليل عليه هو الوضوءات البيانية ورواية قرب الاسناد، والروايات الحاكية لوضوء الرسول (صلى الله عليه وآله)، وليس في شيء منها ما يفيد وقوع الغسل من الأعلى فالأعلى بنحو الحقيقية في المسامت وغيره، كما يفصح عنه قوله (عليه السلام): " ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا " (1)، وقول: " ثم مسح وجهه من الجانبين " (2) حيث إنهما يفيدان لزوم ايقاع الغسل على الوجه المتعارف وبالكيفية التي أوجد الغسل بها في الوضوء البياني، وأمر بها في رواية قرب الاسناد، بل الوضوء البياني صريح في نفي الترتيب بين غير المسامت، لمعلومية أن مسح الوجه إنما هو لإرادة تحصيل غسله الواجب، ولا ريب أن أحدهما وقع بعد الآخر فيلزمه تقدم غسل منتهى أحد طرفي الوجه قبل غسل ما هو أعلى منه من الطرف الآخر، مع أنه (عليه السلام) لم يتداركه واكتفى به عن الواجب، فافهم.