كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (تحقيق الآملي) - العلامة الحلي - الصفحة ٤٧٢
أمرهم ونهيهم وأفعالهم التي أمروهم باتباعهم فيها ذلك، وحينئذ لا ينقادون إلى امتثال أوامرهم وذلك نقض للغرض من البعثة. الثاني: أن النبي تجب متابعته فإذا فعل معصية فإما أن تجب متابعته أو لا، والثاني باطل لانتفاء فائدة البعثة والأول باطل لأن المعصية لا يجوز فعلها، وأشار بقوله: لوجوب متابعته وضدها، إلى هذا الدليل لأنه بالنظر إلى كونه نبيا تجب متابعته، وبالنظر إلى كون الفعل معصية لا يجوز اتباعه. الثالث: أنه إذا فعل معصية وجب الانكار عليه لعموم وجوب النهي عن المنكر وذلك يستلزم إيذاءه وهو منهي عنه، وكل ذلك محال.
قال: وكمال العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي وعدم السهو وكلما ينفر عنه من دناءة الآباء وعهر الأمهات والفظاظة والغلظة والابنة وشبهها والأكل على الطريق وشبهه.
أقول: يجب أن يكون في النبي هذه الصفات التي ذكرها، وقوله: وكمال العقل، عطف على العصمة أي ويجب في النبي كمال العقل وذلك ظاهر، وأن يكون في غاية الذكاء والفطنة وقوة الرأي بحيث لا يكون ضعيف الرأي مترددا في الأمور متحيرا، لأن ذلك من أعظم المنفرات عنه، وأن لا يصح عليه السهو لئلا يسهو عن بعض ما أمر بتبليغه، وأن يكون منزها عن دناءة الآباء وعهر الأمهات لأن ذلك منفر عنه، وأن يكون منزها عن الفظاظة والغلظة لئلا يحصل النفرة عنه، وأن يكون منزها عن الأمراض المنفرة (1) نحو الابنة وسلس الريح والجذام والبرص وعن

(١) في خصال الصدوق وخامس البحار في كتاب النبوة (ص ٢٠٤ ط ١).
في خبر القطان عن السكري عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال: إن أيوب عليه السلام ابتلى سبع سنين من غير ذنب (بغير ذنب - خ ل) وإن الأنبياء عليهم السلام لا يذنبون لأنهم معصومون مطهرون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا لا صغيرا ولا كبيرا، وقال: إن أيوب عليه السلام من جميع ما ابتلي به لم تنتئن له رائحة ولا قبحت له صورة ولا خرجت منه مدة من دم ولا قيح ولا استقذره أحد رآه ولا استوحش منه أحد شاهده ولا تدود شئ من جسده، وهكذا يصنع الله عز وجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه، وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره لجهلهم بما له عند ربه تعالى من التأييد والفرج. وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وإنما ابتلاه الله عز وجل بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه تعالى متى شاهدوه وليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى على ضربين: استحقاق واختصاص، ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ولا فقيرا لفقره ولا مريضا لمرضه وليعلموا أنه يسقم من يشاء ويشفي من يشاء متى شاء كيف شاء بأي سبب شاء ويجعل ذلك عبرة لمن شاء وشقاوة لمن شاء وسعادة لمن شاء، وهو عز وجل في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في أفعاله لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ولا قوة لهم إلا به، إنتهى.
قوله صلى الله عليه وسلم: أعظم الناس بلاء الأنبياء. ومن ذلك العظم الضر بالضم قال عز من قائل: (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) إذ الضر بالفتح الضر في كل شئ، وبالضم الضرر في النفس، ذكره في الكشاف.
قال علم الهدى في تنزيه الأنبياء: فإن قيل أفتصحون ما روي من أن الجذام أصابه حتى تساقطت أعضاؤه؟ قلنا: أما العلل المستقذرة التي تنفر من رآها وتوحشه كالبرص والجذام فلا يجوز شئ منها على الأنبياء عليهم السلام لأن النفور ليس بواقف على الأمور القبيحة بل قد يكون من الحسن والقبح معا وليس ينكر أن يكون أمراض أيوب عليه السلام وأوجاعه ومحنه في جسمه ثم في أهله وماله بلغت مبلغا عظيما تزيد في الغم والألم على ما ينال المجذوم وليس ينكر تزايد الألم فيه عليه السلام وإنما ينكر ما اقتضى التنفير.
قال في مجمع البيان عند قوله سبحانه: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) (آل عمران 159).
في هذه الآية دلالة على اختصاص نبينا بمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال، ومن عجيب أمره صلى الله عليه وسلم أنه كان أجمع الناس لدواعي الترفع ثم كان أدناهم إلى التواضع وذلك أنه كان أوسط الناس نسبا وأوفرهم حسبا وأسخاهم وأشجعهم وأزكاهم وأفصحهم، وهذه كلها من دواعي الترفع. ثم كان من تواضعه أنه كان يرقع الثوب ويخصف النعل ويركب الحمار ويعلف الناضح ويجيب دعوة المملوك ويجلس في الأرض ويأكل على الأرض وكان يدعو إلى الله من غير زئر وكهر ولا زجر. ولقد أحسن من مدحه في قوله:
فما حملت من ناقة فوق ظهرها أبر وأوفى ذمة من محمد إلى أن قال رحمه الله: وفيها أيضا دلالة على ما نقوله في اللطف لأنه سبحانه نبه على أنه لولا رحمته لم يقع اللين والتواضع ولو لم يكن كذلك لما أجابوه فبين أن الأمور المنفرة منفية عنه وعن سائر الأنبياء ومن يجري مجراهم في أنه حجة على الخلق، وهذا يوجب تنزيههم أيضا عن الكبائر لأن التنفير في ذلك أكثر.
(٤٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 467 468 469 470 471 472 474 475 476 477 478 ... » »»
الفهرست