لأن الحركة تفارق سائر الكمالات بأن جميع الكمالات إذا حصلت خرج ذو الكمال من القوة إلى الفعل، وهذا الكمال من حيث إنه كمال يستلزم كون ذي الكمال بالقوة.
وأما الثاني فإن المتكلمين قالوا: ليست الحركة هي الحصول في المكان الأول، لأن الجسم لم يتحرك بعد، ولا واسطة بين الأول والثاني وإلا لم يكن ما فرضناه ثانيا بثان فهي الحصول في المكان الثاني لا غير.
قال: ووجودها ضروري.
أقول: اتفق أكثر العقلاء على أن الحركة موجودة وادعوا الضرورة في ذلك، وخالفهم جماعة من القدماء كزينون وأتباعه قالوا: إنها ليست موجودة واستدلوا على ذلك بوجوه:
أحدها: أن الحركة لو كانت موجودة لكانت إما منقسمة فيكون الماضي غير المستقبل أو غير منقسمة فيلزم تركبها من الأجزاء التي لا تتجزأ، واللازمان باطلان.
الثاني: أن الحركة ليست هي الحصول في المكان الأول لأن الجسم حينئذ لم يتحرك بعد، ولا في المكان الثاني لأن الحركة انتهت وانقطعت، ولا المجموع لامتناع تحقق جزئيه معا في الوجود فلا تكون موجودة.
الثالث: أن الحركة ليست واحدة فلا تكون موجودة.
وهذه الاستدلالات في مقابلة الحكم الضروري فلا تكون مسموعة.
قال: يتوقف على المتقابلين والعلتين والمنسوب إليه والمقدار.
أقول: وجود الحركة يتوقف على أمور ستة: أحدها: ما منه الحركة. والثاني:
ما إليه الحركة أعني مبدأ الحركة ومنتهاها، والظاهر أن مراده بالمتقابلين هذان لأن المبدأ والمنتهى متقابلان لا يجتمعان في شئ واحد باعتبار واحد. الثالث: ما به الحركة وهو السبب والعلة الفاعلية لوجودها. الرابع: ما له الحركة أعني الجسم المتحرك وهو العلة القابلية، وهذان هما المرادان بقوله: والعلتين. الخامس: ما فيه