أقول: اختلف العلماء في ذلك، فذهب جمهور الأوائل إلى أن العلم يستدعي انطباع المعلوم في العالم وأنكره آخرون، احتج الأولون بأنا قد ندرك أشياء لا تحقق لها في الخارج، فلو لم تكن منطبعة في الذهن كانت عدما صرفا ونفيا محضا فيستحيل الإضافة إليها.
واحتج الآخرون بوجهين: الأول: أن التعقل لو كان هو حصول صورة المعقول في العاقل لزم أن يكون الجدار المتصف بالسواد متعقلا له، والتالي باطل فكذا المقدم. الثاني: أن الذهن قد يتصور أشياء متقدرة فيلزم حصول المقدار فيه فيكون متقدرا، والجواب عنهما سيأتي.
قال: في المحل المجرد القابل (1).
أقول: هذا إشارة إلى الجواب عن الإشكالين، وتقريره أن المحل الذي جعلناه عاقلا مجرد عن المواد كلها، والمجرد لا يتصف بالمقدار باعتبار حلول صورته فيه، فإن صورة المقدار لا يلزم أن تكون مقدارا، وأيضا هذه الصورة القائمة بالعاقل حالة في محل قابل لها فلهذا كان عاقلا لها، أما الجسم فليس محلا قابلا لتعقل السواد فلا يلزم أن يكون متعقلا له.
قال: وحلول المثال مغاير.
أقول: هذا إشارة إلى كيفية حلول الصورة في العاقل، وتقريره أن الحال في العاقل أنما هو مثال المعقول وصورته (2) لا ذاته ونفسه، ولهذا جوزنا حصول