أقول: ذكر للماء خمسة أحكام:
الأول: أنه بارد والحس يدل عليه لأنه مع زوال المسخنات الخارجية يحس ببرده.
واختلفوا فالأكثر على أن الأرض أبرد منه لأنها أكثف وأبعد عن المسخنات والحركة الفلكية، وقال قوم: إن الماء أبرد لأنا نحس بذلك وهو ضعيف لأن الشئ قد يكون أشد بردا في الحس ولا يكون في نفس الأمر كذلك كما في جانب السخونة، ولهذا كانت السخونة في الأجسام الذائبة كالرصاص وغيره أشد في الحس من النار الصرفة الخالية عن الضد لسرعة انفصال النار الصرفة عن اليد لأجل لطافتها فلا يدوم أثرها كذلك هاهنا أثر الماء للطافته ينبسط على العضو ويصل إلى عمق كل جزء منه ويلتصق به بخلاف التراب المتناثر عنه سريعا فكان الاحساس ببرد الماء أكثر.
الثاني: أنه رطب وهو ظاهر بمعنى البلة، وقيل: إنه يقتضي الجمود لأنه بارد بالطبع والبرد يقتضي الجمود وإنما عرض السيلان له بسبب سخونة الأرض والهواء، ولو خلي وطبعه لاقتضى الجمود.
الثالث: أنه شفاف لأنه مع صرافته لا يحجب عن الأبصار. وقيل: إنه ملون وإلا لم يكن مرئيا ولضعف لونه لم يحجب عن الأبصار.
الرابع: أنه محيط بأكثر الأرض وهو حكم ظني لأنهم جعلوا العناصر متعادلة (1) وإلا لاستحال الأضعف وعدم عنصره، فلو لا إحاطته بثلاثة أرباع الأرض لكان أقل من الأرض وإذا كان محيطا بأكثر الأرض كان هو البحر وإلا فإما أن يكون فوق الأرض أو تحتها (2)، والثاني باطل وإلا لكان أصغر من الأرض فبقي الأول وهو البحر.