هو، فإنك إذا قلت: ما هو الانسان، فقد سألت عن حقيقته وماهيته، فإذا قلت:
حيوان ناطق، كان هذا الجواب هو ماهية الانسان، وهذه اللفظة - أعني الماهية - أنما تطلق في الغالب من الاستعمال على الأمر المعقول، وإذا لحظ مع ذلك الوجود قيل له حقيقة وذات، والماهية والحقيقة والذات من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى، فإن حقيقة الانسان - أعني الحيوان الناطق - معروضة لكونها ماهية وذاتا وحقيقة، وهذه عوارض لها.
قال: وحقيقة كل شئ واحدة مغايرة (1) لما يعرض لها من الاعتبارات وإلا لم تصدق على ما ينافيها.
أقول: كل شئ له حقيقة هو بها ما هو، فالإنسانية من حيث هي إنسانية حقيقة وهي مغايرة لجميع ما يعرض لها من الاعتبارات، فإن الانسانية من حيث هي إنسانية لا يدخل في مفهومها الوجود والعدم ولا الوحدة والكثرة ولا الكلية والجزئية ولا غير ذلك من الاعتبارات اللاحقة بها، لأن الوحدة مثلا لو دخلت في مفهوم الانسانية لم تصدق الانسانية على ما ينافي الوحدة، لكنها تصدق عليه لصدقها على الكثرة، وكذلك القول في الكثرة وكذا الوجود والعدم والكلية والجزئية وغيرها، فهي إذن مغايرة لهذه الاعتبارات وقابلة لها قبول المادة للصور المختلفة والأعراض المتضادة.
قال: وتكون الماهية مع كل عارض مقابلة لها مع ضده.
أقول: إذا أخذت الماهية مع قيد الوحدة مثلا صارت واحدة، وإذا أخذت مع قيد الكثرة صارت كثيرة، فالواحدية أمر مضموم إليها مغاير لها تصير بها الماهية واحدة وتقابل باعتبارها الماهية باعتبار القيد الآخر، فإن الانسان الواحد مقابل للانسان الكثير باعتبار العارضين لا باعتبار الماهية نفسها.
قال: وهي من حيث هي ليست إلا هي ولو سئل بطرفي النقيض فالجواب السلب لكل شئ قبل الحيثية لا بعدها.