أنهم في غير هذا الموضع اختلفوا في اختصاصها بها، وقد تقدم عن صاحب المدارك (1) التصريح بأنها لغة وعرفا فضلة الإنسان، وعن المعتبر (2) التصريح بأن العذرة والخرء مترادفان يعمان فضلة كل حيوان، وهو ظاهر المحكي عن الحلي (3) حيث أضافها هنا إلى ابن آدم، بناء على أن القيد ظاهر في التخصيص.
وقد ورد في بعض الأخبار إطلاقها على ما يعم فضلة غير الإنسان أيضا، كخبر عبد الرحمن " عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب " (4)، ورواية ابن بزيع - المتقدمة - " في البئر يقع فيها شئ من العذرة كالبعرة ونحوها " (5)، ومقتضى قاعدتهم في استعمال اللفظ في معنيين خاص وعام كونه حقيقة في العام إلا إذا غلب الاستعمال في الخاص، فيكون حقيقة فيه خاصة؛ والظاهر ثبوت تلك الغلبة هنا.
لكن يشكل ذلك بأن مقتضى قاعدتهم الاخرى في تعارض قول نقلة اللغة كون اللفظ حقيقة في العام إذا كان الاختلاف بينهما في العموم والخصوص المطلقين، وقد عرفت وجود هذا الخلاف بين قولي المعتبر والمدارك، ومثله موجود في كلام أئمة اللغة، فإن المحكي عن جماعة منهم كون العذرة: خرء الإنسان، وظاهر المصباح المنير والمجمع كونها للعام، حيث فسرا بمطلق الخرء، قال الأول: " العذرة: وزان كلمة الخرء ولا يعرف تخفيفها وتطلق العذرة على فناء الدار، لأنهم كانوا يلقون الخرء فيه، فهو مجاز من باب تسمية الظرف باسم المظروف " (6).
وقال الثاني: " العذرة وزان كلمة الخرء، وقد تكرر ذكرها في الحديث، وسمي فناء الدار (7) عذرة لمكان إلقاء العذرة هناك " (8)، ولعل الخلاف نشأ عن ملاحظة المطلق من غير نظر إلى انصرافه، وعن الأخذ بموجب الانصراف توهما، ويمكن حمل التفسيرين على المسامحة في التعبير، كما يوهمه عبارة اخرى في المجمع في عنوان الخرء، قائلة:
" وقد تكرر ذكر الخرء كخرء الطير والكلاب ونحو ذلك، والمراد ما خرج منها كالعذرة