وتوضيحه: أن النجاسة حكم شرعي يتبع مورد النص، والكافر إنما لحقه حكم التنجيس باعتبار كفره وجحوده الحق، وقد انتفى ذلك بموته فينتفي الحكم التابع له، ويلحقه حكم آخر شرعي بالموت، والحكمان متغايران "، انتهى ملخصا (١)، وعن المعتبر (٢) أيضا الاعتراض على الحلي بما يقرب من ذلك.
وأنت خبير بما في جميع ذلك من المكابرة ودفع ضرورة الوجدان، القاضي بكون المتجه هو ما ذكره الحلي (٣)، ووافقه الإسكافي - على ما حكي -، لوجوب عدم كون المطلق في إفادة الإطلاق واردا مورد حكم آخر، ولذا لا يقولون بحلية أكل الصيد كيفما اتفق ولو قبل تطهير موضع عض الكلب، تمسكا بقوله: ﴿كلوا مما أمسكن عليكم﴾ (4) وليس ذلك إلا من جهة أن ملاقاة الكلب برطوبة كعدم وقوع الذبح الشرعي جهة مقتضية للمنع، على نحو يكون كل منهما سببا مستقلا له، وكان المطلق مسوقا لرفع ما يقتضيه الجهة الثانية من المنع ساكتا عن الجهة الاولى نفيا وإثباتا، فيطهر حينئذ ثم يؤكل عملا بالدليلين الغير المتعارضين، المقتضي أحدهما اشتراط إباحة أكل ما لاقته النجاسة بتطهيره، والآخر حلية الصيد مع عدم وقوع الذبح الشرعي عليه، كيف فإما أن يقال: بورود الآية لرفع مقتضي الجهة الاولى، أو لرفع مقتضي الجهة الثانية، أو لرفع مقتضي الجهتين.
والأول يأباه التعبير بعنوان " الإمساك "، كما أن الأخير يأباه متفاهم العرف، فتعين الأوسط، لأنه الذي يساعد عليه العرف، ولا ريب أن المقام ليس إلا من هذا الباب، فإن موت الإنسان في البئر أو وقوعه ميتا بنفسه جهة مقتضية للنزح ونجاسة الكفر أيضا جهة اخرى مقتضية له، وإلا لزم الفرق في النجاسات بينها وبين غيرها وهو منفي باتفاق الأقوال.
فقوله (عليه السلام): " وما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء، فيموت فيه فأكثره الإنسان ينزح منها سبعون دلوا " إما أن يكون لبيان ما اقتضته كلتا الجهتين فلا يساعد عليه متفاهم العرف، أو لبيان ما اقتضته الجهة الثانية فينافيه صريح قوله: " فيموت " وظاهر السياق صدرا وذيلا، فتعين كونه لبيان ما اقتضته الجهة الاولى وهو الذي يساعد عليه العرف،