يمكن تفارقهما باقتضاء أمرين مختلفين كالصحة وعدمها في المثال المفروض، فيفارقه المقام لكون مقتضي الجهتين فيه أمرين وجوديين يمكن اجتماعهما مختلفين بالزيادة والنقصان، فبطلت المقايسة بوضوح الفرق.
ومن جميع ما قررناه تبين إصابة ما ذكره صاحب المعالم - على ما حكي عنه - في الاعتراض على المحقق - الموافق للعلامة فيما تقدم - من الاعتراض على ابن إدريس من " أن الحيثية معتبرة في جميع موجبات النزح، فمعنى وجوب نزح السبعين لموت " الإنسان " أن نجاسة موته يقتضي ذلك، فالعموم الواقع فيه إنما يدل على تساوي المسلم والكافر في الاكتفاء لنجاسة موتهما بنزح السبعين، فإذا انضم إلى ذلك جهة اخرى للنجاسة كالكفر ونحوه لم يكن للفظ دلالة على الكفاية، ألا ترى أنه لو كان بدن المسلم متنجسا بشئ من النجاسات وكانت العين غير موجودة لم يكف نزح المقدر عن الأمرين، ولو تم ما ذكروه لاقتضى الاكتفاء وهم لا يقولون به.
وبالجملة، فالكفر أمر عرضي للإنسان كملاقاة النجاسة، ولكل منهما تأثير في بدنه بالتنجيس، لكن الأول يشمل جميع بدنه، والثاني يختص بما يلاقيه، فكما أن العموم غير متناول لنجاسة الملاقاة، لا يتناول نجاسة الكفر.
وبهذا يظهر أن معارضة الحلي في محلها، إذ حاصلها أن الحيثية متبادرة من اللفظ، ولذلك فرقوا بين المسلم والكافر في مسألة الجنب، فينبغي مثل ذلك هاهنا أيضا ".
- إلى أن قال -: " وقوله: " هذا ليس بنقض على مسألتنا بل نقض على استعمال اللام في الاستغراق " واه جدا، لأن اللازم من عدم عموم لفظ " الجنب " لنجاسة الكفر عدم تناول الزاني والسارق ونحوهما لغير حيثية الزنا والسرقة بحيث يكون الحد المذكور لكل واحد منهما كافيا عنه وعن غيره " (1)، انتهى كلامه رفع مقامه.
وإنما نقلناه بطوله لاشتماله على دفع أكثر ما سمعته عن العلامة كما لا يخفى على المتأمل، ويمكن أن يستشهد على ما ادعاه من اعتبار الحيثية في جميع موجبات النزح بصدر رواية المقام المتضمن لقوله (عليه السلام): " هذا إذا كان ذكيا، وما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء فيموت فيه " عقيب ما أعطاه من الحكم بنزح دلاء لوقوع الطير المذبوح بدمه،