وأما اعتبار الرطوبة أو أحد الأمرين منها ومن الذوبان فلعله على خلاف النص، وتوجيهه بلزوم الذوبان للعذرة الرطبة عادة مما يؤدي إلى عراء اعتبار الرطوبة مع الذوبان، والعطف بينهما بكلمة " أو " يمنع عن اعتبار كونه للتفسير، وكيف كان فلا دليل على الاكتفاء بمجرد الرطوبة ما لم يصادفها الذوبان، وعليه فلو وقعت العذرة رطبة من دون أن تذوب فأخرجت لزمها نزح عشرة عملا بإطلاق النص.
والظاهر من إطلاق العذرة أيضا عدم الفرق بين الكبير والصغير، ولا بين الذكر والانثى، ولا بين العاقل والمجنون، ولا بين المسلم والكافر، إلا أن يدعى الانصراف، فيكون عذرة الكافر حينئذ مندرجة في غير المنصوص، كما جزم به بعض مشايخنا (1) وأما مقدارها فالظاهر أنه لا حد له، بل يكفي مسماه عرفا ما لم يدخل من جهة القلة فيما لا يتناوله الإطلاق كحبة من خردل، غير أنه لا يجدي في سقوط المقدر المذكور حيث أنه لا تقدير لقليلها كذلك، وإلحاقه بما لا نص فيه يبطله الأولوية إن قلنا فيه بنزح الجميع، نعم على القولين الآخرين لا يبعد اعتبار مقدريهما.
والأحوط اعتبار مقدر الكثير وهو الخمسون، أو هو والأربعون تخييرا، ولم نقف من الأصحاب على كلام في هذا الفرع سوى ما نسب إلى المحقق البهبهاني في شرحه للمفاتيح قائلا: " ولا حد لمقدار العذرة، بل يكفي مسماه عرفا بأن يكون فردا متبادرا لقوله (عليه السلام): " فإن ذابت "، فلا يكفي كونها قدر حبة من خردل وأقل منه، وعلى القول بالانفعال لعله يكفي لانفعال البئر به واحتياجها إلى مطهر شرعي، وهو منحصر في النزح عند القائل به، فبنزح الخمسين يحصل الطهارة البتة بخلاف ما هو أقل منه " (2).
ثم إن لهم في اعتبار ذوبان الجميع أو كفاية ذوبان البعض كلاما، فقيل بالأول لأن الرواية أسندت الذوبان إلى العذرة الواقعة في البئر، وهو إنما يحصل بذوبان الجميع، وقيل بالثاني لعدم اعتبار القلة والكثرة، فلو سقط مقدار البعض الذائب منفردا وذاب كان كافيا في التأثير، فانضمام الغير إليه لا يمنعه عن التأثير، وهذا أوجه كما أن الأخذ بموجبه أحوط.