بالأمر بالتنزه المعلق بوجدان الغير سواء كان إيجابيا أو ندبيا، كانت معارضة بما ورد من الروايات في فضل السنور وسؤر الدواب والغنم دالا على عدم المنع بل المرجوحية أيضا (1)، مع ما فيها من عدم صلوحها لمعارضة ما سبق من الصحاح، وغيرها المعتضدة بالعمل وغيره، مع ما قيل فيها - كما عن المصابيح (2) - من المناقشة في سندها من حيث اشتماله على محمد بن سنان الذي ضعفه الأكثر، مع تصريح علماء الرجال بأن عبد الله بن مسكان لم يرو عن أبي عبد الله (عليه السلام) إلا حديث " من أدرك المشعر فقد أدرك الحج " (3) فتكون الرواية مرسلة، ولا جابر لها في إرسالها، فيكون عدم صلوحها للمعارضة أوضح.
ومنها: صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبت إلى من يسأله عن الغدير تجتمع فيه ماء السماء، ويستقى فيه من بئر، فيستنجي فيه الإنسان من بول، أو يغتسل فيه الجنب، ما حده الذي لا يجوز؟ قال: " فكتب: لا تتوضأ من مثل هذا إلا من ضرورة إليه " (4).
وفيه: مع ما فيها من الإضمار الموجب لإجمال الضمير، لتردده بين كونه للمسؤول أو المكتوب إليه السائل، مع تردد المسؤول بين الحجة وغيره، أنه استدلال بما هو خارج عن المتنازع، لما يأتي من استثناء ماء الاستنجاء من قاعدة الانفعال، فالسؤال إنما وقع عن جواز التطهير بمثله، وبما يغتسل فيه الجنب والجواب مطابق له، ولا منافاة في المنع عن التطهير بما لا يكون نجسا تعبدا من الشارع، مع إمكان حمل الضرورة على التقية، واحتماله احتمالا غير خفي فلا ينافي التفصيل بينها وبين غيرها للانفعال لو قلنا به في ماء الاستنجاء.
ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: وسأله عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة؟ قال (عليه السلام): " لا، إلا أن يضطر إليه " (5).
وفيه: أنه على القول بنجاسة أهل الكتاب كان حملها على التقية احتمالا ظاهرا،