الخمس ثم نادى في أصحابه وأقبل نحو مدينة الباب، وفي قلعتها يومئذ ألف بيت من الخزر، فأقام عليها محاصرا لهم أياما كثيرة فلم يكن له فيهم حيلة (1)، فهم أن ينصرف عنهم وإذا برجل قد أقبل إليه من بعض تلك الأبواب فقال: أصلح الله الأمير! إن دفعت إليك هذه القلعة بمؤنة يسيرة هل ترد مالي وأهلي وولدي؟ قال مسلمة: نعم، لك ذلك، قال: فادفع إلي الساعة مائة رأس من البقر والغنم حتى أدفع إليك هذه القلعة، قال: فأمر له مسلمة بما أراد، فأقبل إلى العين التي استخرجها لهم أنو شروان بن قباذ في أول الدهر وأجراها إلى القلعة، فقال: احفروا هذا الموضع، حتى إذا بلغوا إلى الماء قال: قدموا الان هذه البقر والغنم فانحروها في هذه العين! فجعلوا ينحرون والدم يجري مع الماء إلى صهاريجهم، حتى إذا علم ذلك الرجل أن الدماء كلها قد صارت إلى الصهاريج أمر بقطع الماء فقطع عنهم، وأجرى آبارها إلى الوادي، وأصبح القوم وقد امتلأت صهاريجهم دما. فلم يلبثوا إلا ليلة حتى أنتنت الصهاريج، ثم إنها انتعشت بعد ذلك بالدود (2)، فعطشوا عطشا شديدا، وأقبل ذلك الرجل إلى مسلمة فقال: أيها الأمير! قد هلك القوم عطشا فتنح عن باب القلعة وعن طريقهم حتى يهربوا وتصير القلعة في يدك، قال:
فأمر مسلمة أصحابه فتنحوا عن باب القلعة. فلما كان الليل فتح القوم الباب وخرجوا هاربين على وجوههم، وصارت القلعة في أيدي المسلمين. وجاء مسلمة حتى دخل القلعة فنظر إليها وإلى حصانتها، ثم أمر أن تكنس تلك الصهاريج من ذلك الفرث والدم فكنست. ثم أجرى فيها الماء كما كان. ثم أمر مسلمة بمدينة الباب فقسمت أربعة أرباع: فجعل ربعا لأهل دمشق، وربعا لأهل حمص، وربعا لأهل فلسطين، وربعا لسائر أهل الشام والجزيرة، فهي اليوم لا تعرف إلا بهم.
قال: ثم دعا مسلمة برجل من أصحابه يقال له فرنر (3) بن سويد الثعلبي فولاه مدينة الباب والأبواب، وأمره أن يجعل أبرجة المدينة إهراء للحنطة والشعير والسلاح، وأن يقيم شرف المدينة ويغلق عليها أبوابا من الحديد، ثم جعل مسلمة رتبة مدينة الباب مائة دينار وعشرة دنانير في كل سنة غير القمح والزيت والرزق شهرا بشهر (4). قال: ثم دعا مسلمة بابن عمه مروان بن محمد فاستخلفه على جماعة