فقلت: يا أمير المؤمنين! هذا الخبر في مولدهما أو أمر وقع لأمير المؤمنين في أمرهما؟ فقال: بل بأثر واحد حملته العلماء عن الأوصياء. والأوصياء حملوه عن الأنبياء عليهم السلام.
وهذا خبر آخر حسن قال الهيثم بن عدي: أخبرني خلف الأحمر النحوي (1): قال بعث أمير المؤمنين هارون الرشيد لتهذيب (2) ابنه محمد، فلما دخلت عليه قال: يا أحمر! إن أمير المؤمنين دفع إليك مهجة قلبه وثمرة فؤاده (3) وجعل يدك فيه مبسوطة ومقالتك فيه مصدقة. فكن له بحيث وضعك فيه أمير المؤمنين، أقرئه القرآن وروه الشعر وفهمه السنن وعلمه الفرائض وبصره مواضع الكلام، ومره بالرزانة والاقتصاد في نظره، وامنعه الضحك إلا في وقته، وجده (4) بتعظيم بني هاشم إذا دخلوا عليه، ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه (5) قال فقلت: نعم يا أمير المؤمنين! لا أتعدى أمرك فيه وأكون له على ما أمرتني.
قال: وكنت كثيرا ما أشد عليه في التأديب وأمنعه الساعات التي يتفرغ فيها للعب، فشكى ذلك إلى خالصة جارية زبيدة. قال: فجاءتني خالصة ذات يوم برسالة من أمه زبيدة بالكف عنه وأن أجعل له وقتا يرتع فيه، قال: فقلت لها: إن أمير المؤمنين في عظم قدره لا يحتمل على التقصير ولا يرضى منه بالزلل والمنطق والجهل بشرائع الدين والسنن والغفلة عن الأمور التي فيها قوام السلطان وإحكام سياسة الرعية. فقالت خالصة: صدقت يا أحمر! غير أنها والدة ولا تملك نفسها ولا تقدر على كف إشفاقها عليه.
خبر خالصة وحديثها للأحمر فقالت خالصة: يا أحمر! حدثتني السيدة زبيدة بنت جعفر بن المنصور أنها