من ساعته ذلك أربعين ألف رجل من فرسان العسكر، ثم عقدت له الأطواق فعبر الكوثر وعبر معه من الناس زهاء ألف رجل. قال: فسار بهم الكوثر يومه ذلك حتى إذا تعالى النهار إذا هو برجل استقبله في عشرين فارسا من فرسان الخزر معهم الكلاب والبزاة وهم يتصيدون. قال: فشد عليه الكوثر فقتله وقتل أصحابه الذين كانوا معه، فلم يفلت منهم أحد. قال: وأخذ المسلمون أسلحتهم ودوابهم ومضى الكوثر وأصحابه حتى نزلوا إلى جنب غيضة أشبة، فلما استقر بهم الموضع إذا بدخان قد ارتفع من جوف الغيضة، فقال الكوثر: ما هذا الدخان؟ فقال بعضهم: يجب أن يكون ههنا عسكر من عساكر الخزر، قال: ثم نادى الكوثر في أصحابه فركب وركبوا معه وسار نحو الدخان، فلم يشعر الخزر إلا والكوثر على رؤوسهم في أربعين ألفا، فوضعوا فيهم السيف، فقتل منهم عشرة آلاف، وأسر منهم سبعة آلاف، وأفلت الباقون على وجوههم في الغياض والأودية والجبال، ثم أقبل الكوثر إلى هؤلاء الأسارى الذين في يده فقال لهم: خبروني ما فعل قائدكم هزار طرخان؟ فقالوا: إنه خرج يتصيد في نفر من أصحابه فلا ندري ما فعل! قال: فعلم الكوثر أن الذي استقبلهم هزار طرخان، فأخذوا في وقت الغلس بأجمعهم، ثم سار الكوثر راجعا فلم تطلع الشمس من اليوم الثاني إلا ورأس هزار طرخان ورؤوس أصحابه في عسكر مروان على أطراف الرماح.
قال: وبلغ ذلك خاقان ملك الخزر فجزع لذلك جزعا شديدا وأعطى بيده.
ثم أرسل إلى مروان بن محمد: أيها الأمير! إنك قد سبيت الخزر والصقالبة وقد قتلت وبلغت غايتك، فما الذي تريد؟ فقال مروان للرسول: أريد منه أن يسلم أو أقتله وآخذ ملكه فأجعل لغيره، فاستأجله الرسول ثلاثة أيام حتى يرجع إلى خاقان وينصرف إليه بالخبر. قال: فأجابه مروان بن محمد إلى ذلك. فانصرف الرسول إلى خاقان فأخبره بذلك، فأرسل خاقان إلى مروان: أيها الأمير! إني قد قبلت الاسلام وأجبت وأحببت، ولكن وجه إلي برجل من أصحابك يشرحه لي. قال:
فوجه إليه مروان برجلين أحدهما نوح بن السائب الأسدي، والاخر عبد الرحمن بن فلان الخولاني قال: فخرجا جميعا إلى خاقان وعرضا عليه الاسلام، فقال خاقان للترجمان: قل لهما عني: أريد منكما أن تحلا لي الخمر والميتة، فقال الخولاني الأسدي: تحل له ذلك حتى يسلم، فإذا أسلم وأسلم القوم أخبرناهم أن ذلك حرام عليهم، فقال الأسدي: ما كنت بالذي أحل ما حرم الله ولا أحرم ما أحل الله، لان الدين لا يصلحه إلا النصيحة والصدق، ثم أقبل الأسدي على الترجمان فقال له: