أحد الابطال، فقال له مسلمة: يا ثبيت! إني قد اخترتك من بين فرسان أصحابي لهذا الامر الذي قد ندبتك له، فإن وجدتك على ما ظننت بك في البأس والاقدام وبلغت من الامر ما أريد بلغت في عطائك، وأجزتك بعشرة آلاف درهم، وعرضتك لنوال أمير المؤمنين، ونوهت باسمك، وإن أنت كععت (1) وقصرت فلله علي عهد لأصلبنك على شجرة أقدر عليها. قال فقال له ثبيت: أصلح الله الأمير! مرني بما أحببت. قال مسلمة: اضمم إليك ألف رجل ممن تعرفهم وتثق بهم في البأس والشجاعة، ثم احمل بهم على عسكر خاقان، فلا ترجع أو تهزمه أو تأخذه أسيرا إن قدرت على ذلك. قال فقال ثبيت: أصلح الله الأمير! أما أخذه فلا أدري أقدر عليه أم لا! ولكن للأمير أيده الله علي أن لا أرجع أو أهزمه وأهزم أصحابه إن شاء الله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال: ثم انتخب ثبيت النهراني ألف رجل من فرسان أهل الشام، ثم إنه عهد إليهم عهدا وأوصاهم وصية وقال: انظروا لا تقاتلون لمسلمة ولا لأمير المؤمنين هشام، ولكن قاتلوا عن دين الله وجاهدوا في سبيل الله. فقال له أصحابه: كفيت يرحمك الله! فاحمل حتى نحمل معك فترى ما تحب إن شاء الله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! قال: فتقدم ثبيت النهراني في هؤلاء الألف نحو خاقان، وخاقان يومئذ في عجلة له يقال لها الجدادة (2) وقد فرشت له بأنواع الفرش، وقد عليت بقية من ديباج، وعلى رأس القبة رمانة من ذهب. قال: فلم يكذب ثبيت النهراني أن صار إلى العجلة فضرب القبة بسيفه ضربة خرقت الضربة الديباج ووصل السيف إلى خاقان فلم يصبه شيء، ففزع خاقان من ذلك ووثب من العجلة مسرعا إلى برذون له قد شد بجنب العجلة فاستوى عليه ومر منهزما فلم يقدر عليه، وحمل المسلمون على الخزر حملة، فولوا الادبار منهزمين وقد تفرقت عساكرهم حتى صاروا هاربين إلى بلادهم، فأنشأ ثبيت النهراني يقول أبياتا مطلعها:
كم كم وكم لي من يوم له رهج * وسط العجاجة بالهندية البتر إلى آخرها:
قال: وجمع مسلمة غنائم الخزر فقسمها في المسلمين بعد أن أخرج منها