رجل يقال له الهرماس جعل يقول:
إني لاذكر منيتي وتحيتي * خلفي فأرفعها بحب زميلا إني لأكره أن أعيش مظلما * طول الحياة وأن أموت ذليلا ثم أقبل على هشام بن عمر فقال له: اكتب بهذين البيتين إلى ابن سلامة حتى يعلم أني أبو مسلم.
قال: ثم سار حتى دخل الموصل، فلما نزلها أقبل إليه جماعة من أصحابه ممن يهوى دولة المنصور فقالوا: أيها الأمير! إنا نريد الحج فأذن لنا في ذلك، فتبسم أبو مسلم وقال: ليس هذا وقت أوان حج، فمن أراد أو أحب منكم الانصراف فلينصرف مصاحبا! قال: فتفرق عن أبي مسلم جماعة من أصحابه فصاروا إلى المنصور. وخرج أبو مسلم من الموصل يريد بلاد خراسان ومعه دليل يدله على الطريق حتى أخرجه من شهرزور إلى حلوان، فلما نزلها إذا كتاب المنصور قد ورد عليه من هنالك يأمره بالانصراف إلى ما قبله ويحلف له بالمحرجات من الايمان أنه لا يبدأه بمكروه وأنه يكون له أكثر مما كان ويجعله وزيره وصاحب أمره. قال: فلما قرأ أبو مسلم كتاب المنصور التفت إلى كاتب له يقال له شبيب، فقال: يا شبيب! لئن رجعنا إلى العراق بعد أن شارفنا جبال خراسان فإنا كما قال الأول: (أتتك بحائن رجلاه) (1). قال: ثم رجل أبو مسلم من حلوان يقطع البلاد ويطوي المراحل طيا ولا يعرج على شيء حتى صار إلى الري فلم يقم بها إلا يوما واحدا، ثم رحل عنها مجدا حتى صار إلى مرو ثم كتب إلى المنصور.
ذكر كتاب أبي مسلم إلى المنصور بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عبد الله أمير المؤمنين، من عبد الرحمن أبي مسلم (2)، أما بعد يا أمير المؤمنين! فإني كنت اتخذت أخاك إماما ودليلا على ما فرض الله على خلقه، فكان ظني أنني أنزلت منه بمحله العلم لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستجهلني بالقرآن فحرفه عن مواضعه طمعا في قليل من حطام دار قد