ودرع سابغ وسيف قاطع، ثم دعا الحرشي بدرعه وأفرغه عليه وتقلد بسيفه، ثم قدم إليه فرسه فسما وتقدم على باب باجروان، فجعل ينظر إلى قائد بعد قائد حتى خرج إليه أربعة من القواد في أربعة آلاف رجل على ما أراد من الهيئة والسلاح، فقال: حسبكم، الان اغلقوا الباب، فغلق باب باجروان.
ثم دعا الحرشي - ليأتيهم بالخبر - برجل يقال له إبراهيم بن عاصم العقيلي فأرسله إلى الخزر، قال: وكان إبراهيم هذا فصيحا بالخزرية، فأقبل يسير في جوف الليل نحو عسكر الخزر والحرشي من ورائهم في أربعة آلاف. قال: وسيفه إبراهيم بن عاصم هذا فدخل عسكر الخزر وكان يلبس كلباسهم ويتشبه بهم، فجعل يجول في عسكرهم راجلا والخزر آمنون مطمئنون. قال: وإذا طرخان من طراخنتهم عنده سرية للجراح بن عبد الله فهو يراودها عن نفسها وهي تبكي وتقول: يا رب! ما لنا أحد سواك وقد ترى ما نحن فيه، فوعدك الحق. قال: فلما سمع إبراهيم بن عاصم مقالة الجارية هم أن يهجم على الطرخان فيقتله، ثم إنه خشي أن يقتل ولا يبلغ حاجته، فرجع إلى الحرشي فخبره بذلك. قال: فبكى الحرشي ومن معه من المسلمين بكاء شديدا، ثم أمسكوا عن بكائهم وجعلوا يسيرون حتى أشرفوا على عسكر الخزر في آخر الليل والقوم نيام، فلما نظر إليهم الحرشي على تلك الحالة فرق عليهم أصحابه من أربعة أوجه وأمرهم أن لا يقدموا إليهم حتى لا يسمعوا التكبير. قال: وبرق عمود الصبح فكبر الحرشي وكبر معه المسلمون، وسمع الأسارى التكبير فأيقنوا بالفرج، ووضع المسلمون فيهم السيف، فما بزغت الشمس حتى أبيدوا بأجمعهم في معركة واحدة وهم عشرة آلاف، فما أفلت منهم إلا رجل واحد وإنه سار إلى نارستيك بن خاقان فخبره بذلك، فأنشأ رجل من المسلمين يقول أبياتا مطلعها:
تشبث لمتي همي بما لا * يهم به الضعيف من الرجال إلى آخرها.
قال: وجمع الحرشي غنائم الخزر، واستنقذ المسلمون والمسلمات والذراري الذين كانوا في أيدي الخزر ودوابهم، وسار حتى صار إلى باجروان.
قال: فما دخلها حينا حتى أقبل إليه صاحب الفرش الأشهب (1) فقال: السلام