بلوائه على رأسه وسحبك له برجله إلى السجن، وقد علمت أنك قد حسدته، نعم الله على أمير المؤمنين به، فلو كنت قد تداركت زلتك فيه بالاكرام والاعتذار إليه إذا لأعفاك أمير المؤمنين من موجدته عليك وقبل توبتك فيه، ولكنك تماديت في لجاجك فبقيت عليك موجدة أمير المؤمنين ولست تدري ما يكون حالك غدا عند رب العالمين، فإن ذلك لمن أعظم الأمور قالة عند أهل الاسلام فيك، فأما مآلك عند الله من الاثم فإن الامل في عفو الله عظيم - والسلام -.
قال: فورد الكتاب على مسلمة وقد عبر نهر الكر وتقارب من بلاد الشروان، فلما قرأ الكتاب كأنه ندم على ما فعل بالحرشي. قال: وإذا كتاب هشام قد أقبل إلى الحرشي على البريد يعتذر إليه بما فعل به مسلمة، وتنصل إليه وبعده الرضاء له ولأهل بيته وعشيرته. قال: فجاءت رسل مسلمة أيضا على البريد إلى البرذعة، فأخرج الحرشي من السجن، وانطلقوا به إلى الحمام فنظفوه وألبسوه خلعا قد بعث هشام إليه، ثم جاءه بقارورة وقد ملئت غالية، فغلوه بها وحملوه على البريد إلى هشام. قال: فلما أدخل عليه قربه هشام وأدناه وخلع عليه وأحسن جائزته، ثم أقطعه وأقطع أهل بيته وعشيرته قطائع، فهي اليوم لا تعرف إلا بهم من ذلك اليوم والزمان الماضي.
ذكر مسير مسلمة بن عبد الملك إلى جهاد الكفار ومحاربته لهم قال: وسار مسلمة بالمسلمين حتى نزل على قلعة حيزان (1) من أرض الشروان فدعا أهلها إلى الطاعة فأبوا عليه، فحاربهم أياما فلم يقدر عليهم فأمسك عن قتالهم، ولم يزل محاصرا لهم حتى فني طعامهم، وجاعوا جوعا شديدا، فبعثوا إليه وسألوه الأمان على أنه لا يقتل منهم أحدا، فحلف لهم مسلمة أنه لا يقتل منهم رجلا واحدا ولا كلبا واحدا، فرضوا بذلك ولم يحسنوا أن يستوثقوا لأنفسهم، ثم نزلوا من قلعتهم وكانوا ألف رجل من المقاتلة، فقتل منهم تسعمائة وتسعة وتسعين مقاتلا وخلى عن رجل واحد، وقتل كل كلب كان في القلعة ما خلا كلبا واحدا، ثم أمر بهدم حصنهم فهدم حتى وضع بالأرض، ثم أمر بنسائهم وأولادهم فأسكنوا أرض