المسلمين بمدينة الباب، وانصرف حتى رجع إلى هشام بالشام فخبره بما فتح الله على يديه وأنه قد استخلف مروان بن محمد على جماعة من المسلمين.
قال: وعلمت الخزر أن مسلمة بن عبد الملك قد انصرف عنهم إلى بلاد الشام، فرجعوا إلى بلادهم التي أخذت منهم فأخذوها وسكنوها. وبلغ ذلك مروان ابن محمد فجمع الناس وعرضهم فكانوا يزيدون على أربعين ألفا، فسار بهم حتى صار إلى البلنجر، ثم رحل عن البلنجر في بلاد الخزر، ثم جعل يقتل ويسبي حتى قتل من الخزر خلقا كثيرا، وسبى الذراري والنساء واستاق المواشي حتى صار إلى مدينة الباب سالما غانما، وذلك في وقت الشتاء والبرد الشديد، فسميت هذه الغزوة غزوة الطين لكثرة الأمطار والوحول، وفي هذه الغزاة أمر بحذف أذناب الخيل فحذفت بأجمعها لكثرة اللبق والندى.
قال: وشتا مروان بن محمد تلك الشتوة بمدينة الباب، فلما كان في وجه الربيع بعث إليه هشام بن عبد الملك فعزله عن البلاد وأشخصه إليه، ودعا سعيد بن عمرو الحرشي فعقد له عقدا وولاه البلاد (1). قال: فتقدم سعيد بن عمرو الحرشي في أيام الربيع أميرا على جميع الأرمينية وأذربيجان والران وجرزان (2)، فصار إلى مدينة الباب فنزلها، ثم جعل يغزو الخزر الليل مع النهار فلا يجف له لبد إلى أن ضعف بصره وكتب إلى هشام بن عبد الملك يخبره أن الماء الأسود قد نزل في عينيه وقد رق بصره، فليس يبصر سهلا ولا جبلا. قال: فأرسل هشام بثقته من الشام لينظر هل هو على ما قال أم لا! قال: فتقدم الثقة فنظر إلى سعيد بن عمرو فإذا هو كما قال. قال: فكتب إلى هشام يخبره بذلك، فأرسل هشام إلى الحرشي فعزله عن البلاد (3)، ودعا بمروان بن محمد بن مروان فعقد له على أرمينية وأذربيجان، وأمره بمحاربة الخزر.
قال: وأقبل مروان من الشام في عشرين ومائة ألف حتى صار إلى أرمينية، ثم