بمائة ألف درهم وأمره بالتقدم إلى العدو. قال: فرحل الحرشي بجيشه ذلك، كان لا يمر بمدينة من الجزيرة إلا استنهض أهلها إلى حرب الخزر فيجيبه من كل مدينة قومهم ممن يريد الجهاد، فلم يزل كذلك حتى صار إلى مدينة يقال لها أرزن (1) فإذا هو بقوم من أصحاب الجراح قد استقبلوه مفلولين يريدون الشام، فلما نظروا إلى الحرشي بكوا بكاء شديدا ثم نعوا إليه الجراح، فبكى الحرشي حتى علا نحيبه، ثم فرق عليهم مالا قواهم به وأمرهم بالرجوع معه إلى الجهاد، وجعل لا يلقاه واحد إلا أعطاه عشرة دنانير، ثم إنه دخل إلى الدرب الذي يعرف إلى يومنا هذا بدرب بني زرارة فقطعه حتى خرج إلى مدينة خلاط (2) وفي قلعتها يومئذ جماعة من الكفار، فأقام عليها أياما حتى فتحها، وقتل مقاتلتها، وقسم على أصحابه غنائمها. ثم تقدم من خلاط (3) فجعل يفتح قلعة بعد قلعة وحصنا بعد حصن حتى صار إلى برذعة فنزلها وتباشر به أهل برذعة من المسلمين الذين بها. قال: ونارستيك بن خاقان يومئذ في بلاد أذربيجان يقتل ويسبي (4). قال: واجتمع الناس إلى الحرشي من كل أوب عازمين على الجهاد، فقام في الناس خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد يا معشر المسلمين! فليعد موسركم على معسركم، فليس هذا يوم ادخار الأموال، ألا! ومن كان عنده فضل دابة فليحمل عليها رجلا من المسلمين، واستعينوا بالله وتوكلوا عليه، واستنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم. قال: فناداه الناس من كل ناحية: سمعنا وأطعنا أيها الأمير! فسر بنا إلى عدونا يرحمك الله عز وجل.
ذكر الرجل الرستاقي قال: وسار الحرشي من برذعة حتى نزل البيلقان، فلما استقر بها أقبل إليه رجل من رستاقها فقال: أصلح الله الأمير! إني رجل ملهوف فاسمع مني ما أقوله، فقال الحرشي: قل ما بدا لك، فقال: إن نارستيك بن خاقان لما قتل الجراح بن عبد الله وفعل بأهل أردبيل ما فعل بعث إلى هذا الرستاق بطرخان من طراخنته، ففرق أصحابه في هذه القرى فأخذ ابنتين لي، فجردهما من ثيابهما وأمرهما أن تسقياه الخمر عريانين، وهو الان نازل في قرية من هذه الرستاق آمنا مطمئنا لا يعلم بشيء