ولما صار الرشيد بطوس دعا العباس بن موسى، فقال له: يا عباس! في علمنا المدروس أنه يموت بطوس، فقال: بل يشفي الله أمير المؤمنين، فقال: هو ما أقول، فلما زادت عليه جعل يقول:
إني بطوس مقيم * مالي بطوس حميم أرجو إلهي لما بي * فإنه بي رحيم فقد أتى بي طوسا * قضاؤه المحتوم فليس إلا رضاه * والصبر والتسليم قال: وكان في سجنه قوم من الأسارى قد كان بعث بهم هرثمة بن أعين فأمر بهم، فأخرجوا من السجن حتى وقفوا بين يديه، فقال لهم: أعداء الله! أنتم الذين أزعجتموني عن موضعي وخنتموني المؤنة والتعب والسفر بخروجكم علي، والله لأقتلنكم قتلة ما سبقني أحد إليها (1)، قال: ثم أمر بهم ففصلوا عضوا عضوا حتى أتى آخرهم.
ثم دعا برؤوس القواد ومن حضر من فرسان العسكر وسادات بني هاشم فلما اجتمعوا عنده:
ذكر وصية الرشيد عند موته - فحمد الله وأثنى عليه، وذكر محمدا صلى الله عليه وسلم، وقال: إنكم قد علمتم أن كل حي ميت وكل حي فان (2)، وأن هذه الحالة التي أنا عليها هي الحالة التي لم أزل آثر فيها وأوطن نفسي على تجرع أهوالها، وقد ترون ما قد نزل بي من الامر، وأنا أوصيكم بثلاث وأنهاكم عن خمس: أوصيكم باجتماع كلمتكم، والمناصحة لأئمتكم (3)، وأنهاكم عن الفرقة والقطيعة والغش والغل والحسد، وأوصيكم بعد ذلك بحفظ الجنود فإنها سيوفكم القاطعة ورماحكم النافذة وسهامكم الصائبة