نعاه (1) الله إلى خلقه وزهد عباده فيها، ثم إنه مثل لي الضلالة في صورة الهدى، وأمرني أن أجرد السيف وأرفع الرحمة ولا أقيل العثرة ولا أقبل المعذرة والبلاء في ذلك كله واقع بنفسي لا يزجرني عن ذلك بتوفيق ولا رشاد، حتى سقم عندي البريء وبرئ السقيم، فوترت أهل الدين والدنيا في طاعتكم وتوكيد (2) سلطانكم حتى عرفكم من كان جهلكم (3)، وخافكم من كان يهون عليه أمركم وأوطأت غيركم ممن كان فوقكم من آل الرسول بالذل والهوان والاثم والعدوان، ثم إن الله تعالى قد أدركني منه بالندم واستنقذني بالتوبة فإنه يعف ويصفح فإنه كان للأوابين غفورا.
جوابه (4) قال: فكتب إليه المنصور: أما بعد أبا المجرم العاصي! فإن أخي رحمه الله تعالى كان إمام الهدى يدعو إلى الله على بصيرة ويقين من أمره، فأوضح السبيل وقد تفرقت بالناس السبل، وأقامك فيها على منهاج الحق الذي عليه آثار النبوة وما في الكتاب، فلو بأخي الرضى اقتديت وبرأيه اهتديت وإلى أمره انتهيت لما كنت عن الحق جائرا، لكنك لم تكن لنا في طاعة قط يوما واحدا، وما زلت منذ انتحلت مودتنا وولايتنا يهوي بك الريح من مكان سحيق، لا يسنح لك أمران إلا كنت لأرشدهما تاركا، ولأغواهما مؤاتيا، تقتل على الغضب وتبطش بطش الجبارين، فأوقع الله بك الثلاث الموجبات من الله تبارك وتعالى إنه عز وجل قال: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (5) و (فأولئك هم الفاسقون) (6)، و (فأولئك هم الظالمون) (7)، فجمعهن الله فيك، فرويدا أبا مجرم حتى يبلغ الكتاب أجله، وأمير المؤمنين يقسم بالله رب العالمين وملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين