ذكر وفاة أبي جعفر قال: فلما أتت على أبي جعفر في خلافته عشرون (1) سنة دعا بوجوه بني هاشم ووجوه قواده وخاصته وأخذ عليهم البيعة لابنه محمد بن المنصور وسماه المهدي، وجعله ولي العهد من بعده. وكتب له على الناس بذلك كتابا (2)، وأخذ عليهم العهود والمواثيق. ثم دعا بابنه المهدي فأمره بالخروج إلى جرجان، وأوصاه أن يحسن إلى الناس. ثم أوصاه وقال (3): يا بني! أنت خارج إلى هذا الوجه ولست أدري ما يكون من الحدثان فافهم على ما أقول لك، اعلم يا بني! أن الخليفة لا يصلحه إلا الطاعة (4)، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى المسلمين بالعدل أقدرهم على العفو (5)، وأنقص الناس عقلا (6) من ظلم من هو دونه. قال: ثم جعل المنصور يتمثل بهذين البيتين:
العيش أحلى ما يكو * ن على حلاوة أمره كم شامت بي إن هلك * - ت وقائل لله دره.
قال: ثم ودعه المنصور وانصرف، ومضى المهدي إلى جرجان.
قال يزيد بن عبد الله الهلالي: حدثني سراج خادم المنصور قال: خرج المنصور حاجا بعد خروج المهدي إلى جرجان ونزل منزلا في طريق مكة ونظر وإذا في وسط المنزل والطريق هذه الأبيات:
لعمرك ما حجت قريش لحبه * ولكنها حجت لحب الدراهم وما حجت الأنصار إلا تعرضا * لسب ولي العهد من آل هاشم ولا حجت الاعراب إلا ضراعة * مدنسة الأثواب ركن الدعائم ولكن من قد حج من صلب ماله * على نية أبناء تلك الأعاجم