الجبال بين يديه وأمرهم بقناديل النشاب، ثم أمر بلوائه فنصب بين يديه. قال: ونظر خاقان ملك الخزر إلى ذلك اللواء، فأقبل على طراخنته وأهل الشدة من أهل طاعته فقال لهم: اعلموا أن هذا اللواء ما نشر مذ عقد إلا في هذا اليوم فتقدموا نحوه، فإن قدرتم على أن تأخذوه وتكسروه فقد ظفرتم، فأخرجوا الان وانظروا لا ينصرفن أحد منكم إلا وقد أثر فيه أثرا محمودا! قال: فخرج طرخان من طراخنة الخزر في كردوس عظيم نحو المسلمين، وضرب مروان بن محمد بن مروان بطن فرسه فخرج من بين أصحابه وعليه قباء حرير أصفر وقد شد بريطة صفراء وقد خالف بين طرفيها على كتفيه، فقال: أيها المسلمون! فداكم أبي وأمي! إني أسألكم صبر ساعة، وضربا بالرؤوس على القرابيس، وقلة الكلام فإن كثرته فشل، ولا يضربن أحد منكم بسيفه إلا الوجه واليد. قال: فأجابه المسلمون بأحسن الجواب. ثم تقدم مروان بن محمد بن مروان وتقدم الناس نحو كراديس الخزر، قال: وثارت عجاجة وغيرة شديدة فلم يبصره أحد منهم. قال: وتقدم سليمان بن هشام إلى عمه مسلمة فقال:
أيها الأمير! قتل والله مروان! فقال مسلمة: كلا ما قتل فاسكت! فسكت سليمان بن هشام وانكشفت العجاجة فنظر مسلمة إلى المسلمين من أصحاب مروان بن محمد فإذا بمروان بن محمد قد لصق بكراديس الخزر وقد قتل منهم جماعة وأصحابه وإنه ليمسح سيفه على معرفة (1) فرسه من دماء الخزر.
قال: وغضب خاقان ملك الخزر ثم أقبل على طراخنته وقال: أنا واقف من ورائكم أنظر إلى أفعالكم، فلا تستحيون أن يفضحكم رجل واحد! قال: ثم عبى كردوسا آخر أحسن من الاخر وأكثر رجالا وعدة. فقال: (2) أنا أفدي هذه الوجوه!
اعلموا أنه قد أتتكم مفاتيح الجنة ولكم ما وعدكم الله من جزيل ثوابه أنه من قتل منكم قد فاز بالثواب العظيم والجنة التي لا عدد لها وربكم لا يخلف الميعاد. قال: ثم حمل مروان بن محمد وأصحابه على كراديس الخزر فقتل منهم أكثر مما قتل في المرة الأولى وجرح منهم بشرا كثيرا، قال: وجعل خاقان كلما أخرج إلى المسلمين كردوسا من الخزر انفرد له مروان بن محمد وأصحابه فيأتي عليه حتى قتل من الخزر مقتلة عظيمة، ثم رجع إلى عسكر المسلمين فوقف فيه كما كان. ودعا مسلمة بالطعام فجعل يأكل هو وبنو عمه ووجوه الناس وخاقان واقف على فرسه مغتاظا ينظر