حتى دخل إرمينية، فنزل مدينة برذعة وأمن الأسود والأبيض وسكن الناس، ثم بعث إلى الحارث مولى الفضل بن يحيى ومن كان معه من شيعة سعيد بن سلم فكبلهم بالحديد وحملهم إلى الرشيد، ثم إنه كتب إلى أهل الأبواب وأعطاهم الرضى وأصلح البلاد، فأحبه الصغير والكبير، ولم يزل مقيما ببرذعة إلى أن أدركه الموت فمات بها، فولى مكانه أسد بن يزيد، ثم عزله أيضا وولى مكانه خزيمة بن خازم التميمي. قال: فأقبل خزيمة بن خازم حتى نزل برذعة فأصلح أمور الناس. ثم صار إلى الأبواب فحمل الفساق والدعار ومن لا خير فيه إلى باب الرشيد، وأقام خزيمة بن خازم في إرمينية ولم يزل مقيما فيها والناس عنه را ضون وقد أصلح أحوالهم.
ذكر أخبار الرشيد التي كانت منه في آخر عمره قال بكر بن إسماعيل بن عروان: كان الرشيد خليفة يحب أن يسمع الاخبار الحسنة والاخبار الغريبة ويقتدي بأهل الاخبار من الملوك والأئمة من قبله، فأرسل إلى بعض الشعراء ذات يوم فدعاه - وأظنه سلم (1) الخاسر أو غيره، فقال: ويحك يا فلان! من الذي يقول هذه الأبيات:
وكنت إذا حاولت أمرا رميته * بجرمى حتى يبلغا منتهاهما وكنت إذا ما استصعب الألف والنوى * علي فله نصان (2) جميعا هواهما عمدت إلى (3) دار المغبة منهما * وخليت نفسي من طلاب سداهما قال فقال له الشاعر: يا أمير المؤمنين! هذا لشماخ بن ضرار (4) فقال الرشيد:
قاتله الله ما أرصن قوله وأتقن شعره. قال: ثم أمسك ساعة وأرسل إلى الأصمعي فدعاه وسأله عن هذه الأبيات. قال: فأنشده الأصمعي عن آخرها، قال الأصمعي فقال الرشيد: أحسنت اجلس! فجلست وهو ساكت عني لا يتكلم بشيء. وقد أزق وقلق قلقا شديدا، فجعل يقعد مرة ويتكئ أخرى، ثم أنشأ يقول أبياتا مطلعها: