ثم بكت واشتد بكاءها، فأجابها المأمون يقول:
باكيتي من جزع أقصري * قد علق الرهن بما فيه فلما كان في ليلة الاحد استمسك لسانه وتوفي رحمه الله. وكان قد أكل الرطب وشرب بعده الماء فمات. واعتل أخوه أبو إسحاق إلى أن عاد إلى بغداد.
وقيل: إن المأمون قال لبعض الخدم: من يغني؟ قبل مرضه في بلاد الروم، فقال: يا مولاي ما يغني أحد، فقال: ويلك إنه ليغني بشيء حفظته، وهو هذا:
أم لتعجب لمنزلة ودور * حلت بين المسفر والحرور كأن بقية الأثر فيه * بقايا الخط بالقلم الزبور ومات من علته في اليوم الثالث، وكانت وفاته لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر رجب سنة ثماني عشرة ومائتين، وهو يومئذ ابن ثمان وأربعين سنة. وكان مولده سنة سبعين ومائة في شهر ربيع الأول (1)، وكان ربعا (2) جميلا، طويل اللحية رقيقها قد وخطه الشيب، أقنى أعين (3)، فخده خال أسود. وكانت خلافته عشرين سنة وسنة أشهر وسبعة عشر يوما. وقد وصى أن يكتب على قبره هذه الأبيات:
الموت أخرجني من دار مملكتي * فالقبر مضطجعي من بعد تتريف لله عبد رأى قبري فأعبره * وخاف من بعده ريب التصاريف هذا مصير بني الدنيا وإن جمعوا * فيها وغرهم طول التساويف أستغفر الله من جرمي ومن زللي * وأسأل الله نورا يوم توقيفي ذكر سيرة المأمون وما جمع فيه من مكارم الاخلاق قال: وكان المأمون فصيحا أديبا شاعرا حكيما كريما، وإنه قال لعلي بن صالح: أريد رجلا من أهل الشام يجالسني، فالتمست ذلك فأدخلته إلى المأمون، فلما سلم استدناه وكان في مجلس الشرب. فقال: إني أردتك لمجالستي، فقال