وودائع الله فيكم، وعليكم بالمباعدة لأهل الأهواء والضلالة والبدع (1) المكروهة، ولا تأخذوا بظنة. ولا تخيفوا ذا طاعة، ولا تهاونوا بذي خلاف ومعصية، وانظروا ابني حنيفا محمدا وعبد الله، فمن بغى منهما على صاحبه فردوه عن طريقه و [أيدوا] أثبتهما حجة. قال: ثم أقبل على الفضل بن الربيع فقال: يا فضل!
قال: لبيك يا أمير المؤمنين! فقال: إذا أنا مت فخذ القضيب والبردة والخاتم والحق بابني محمد الأمين وكن معه حتى تكاتفه وتؤازره على أمره، واكتبوا إلى ابني المأمون بما يكون من أمري. قال: ثم إنه استمسك لسانه فمات رحمه الله.
ذكر وفاة الرشيد ورؤياه قبل موته ذكر جبريل بن بختيشوع أنه كان مع الرشيد في الرقة وكان أول من يدخل عليه في كل غدوة (2)، قال: فدخلت عليه يوما فسلمت فلم يرفع رأسه وطرفه ووجهه [ورأيته -] (3) عابسا مهموما، فوقفت بين يديه مليا وهو على تلك الحالة، فلما أطال ذلك أقدمت عليه وقلت: جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين! فيا سيدي! ما حالك هكذا؟ فقال: رأيت هذه الليلة رؤيا أهالتني وأفرحت قلبي، فقلت: فرجت عني يا أمير المؤمنين! ثم دنوت وقبلت رجليه وقلت: هذا يكون من بخارات رديئة أو من السوداء، وإنما هي أضغاث أحلام، قال: فأقصها عليك وهي أني رأيت كأني جالس على سريري هذا إذ بدت من تحتي ذراع كنت أعرفه وكف أعرفها لا أفهم اسم صاحبها، وفي الكف تربة حمراء، فقال قائل - أعرفه - ولا أرى شخصه: هذه التربة التي تدفن فيها! فقلت: وأين هذه التربة؟ قال: بطوس! وغابت اليد وانقطع الكلام وانتبهت، قال فقلت: يا سيدي! هذه والله رؤيا بعيدة! وأحسبك أخذت مضجعك وفكرت في خراسان وفي حروبها! قال: وقد كان ذلك، قلت: لذلك جاءك هذا الفكر. ثم لم أزل به أطيب نفسه بضروب الحيل حتى سلى وانبسط.
فمضت بعد ذلك أيام فنسي ونسينا تلك الرؤيا، ثم قدر الله تعالى مسيرنا إلى خراسان حين تحرك رافع بن الليث فخرج، فلما صار في بعض الطريق ابتدأت به العلة حتى