العهد، فإن الزلة فيه لا تدرك (1)، والخطر (2) فيه غير مأمون، والنظر في هذا الامر روية ومجلس غير هذا. قال الأصمعي: فعلمت أنه يريد الخلو، فوثبت وخرجت من المجلس. فلم يزالا في مناجاة ومناظرة إلى أن مضى من الليل أكثره، ثم افترقا على ما اجتمعا عليه من الخلافة وأنها تكون من بعده لابنه محمد ابن زبيدة، ومن بعد محمد لابنه عبد الله.
قال: وبلغ الخبر محمدا فأقبل حتى دخل على الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين! إنك كنت وعدتني أن تعقد لي هذه البيعة وولاية العهد، لما رجوت في ذلك أن يكون الخيرة لأمير المؤمنين أبقاه الله أن يشرك معي أخي عبد الله في أمري من غير أن يبلو مني شيئا أصنعه ولا وهنا عن حرمة ولا ضعفا عن جهاد، وأخي عبد الله عندي كبعض إخوتي أرى له ما لهم وأحفظ له ما أحفظ لهم، ولو لم يكن أمير المؤمنين أبقاه الله ينظر في ذلك! فقال له الرشيد: يا ابني! قد سمعت كلامك ولا آمن عليكما حول الزمان ومشي الناس إليكما وتفريق كلمتكما، فلا تعاودني في مثل هذا الامر. قال: فأمسك محمد وعلم أنه لا سبيل لمراجعته.
قال: وبلغ ذلك زبيدة فأقبلت حتى دخلت على الرشيد فقالت (3): والله ما أنصفت ابني محمدا! وليته العراق فأعريته (4) من العدد والقواد، ووليت عبد الله الجبال وبلاد خراسان وجعلت له الأموال والسلاح والقواد، فقال لها الرشيد: وما أنت وتمييز الاعمال (5)! ومع هذا فإني أتخوف ابنك على عبد الله ولا أتخوف عبد الله على ابنك! قال: فسكتت زبيدة وانصرفت إلى منزلها.
وهذه أخبار حسان من أخبار الرشيد كتبتها عن بعض أهل الأدب وألحقتها بكتابك لتنظر فيها فإنها أخبار منتخبة.
قال أبو عبد الله البجلي: حدثني يحيى بن زكريا النحوي قال: حدثني