ونحن ننقل من الترجمة العربية التي ترجمها ثلاثة من المصريين وراجع الترجمة يحيى الخشاب، قال تحت عنوان ظهور الفتنة ووقوع الخلاف بين الدواتدار مجاهد الدين أيبك والوزير مؤيد الدين العلقمي وابتداء نكبة الخليفة المستعصم بالله.
في آخر صيف سنة أربع وخمسين حدث غرق (1) عظيم أغرق مدينة بغداد لدرجة أن الطبقة العليا من المنازل هناك غرقت في الماء واختفت تماما وقد استمر انهمار السيل في تلك الديار خمسين يوما ثم بدأ في النقصان وكان من نتيجة ذلك أن بقيت نصف أراضي العراق خرابا يبابا ولا يزال أهالي بغداد حتى اليوم يذكرون الغرق المستعصمي.
وخلال تلك الواقعة امتدت أيدي جماعة من الشطار والمشاغبين والرعاع والعيارين بالسلب والاعتداء وكانوا في كل يوم يغتصبون بعض الأشخاص الأبرياء، وكان مجاهد الدين الدواتدار يحتضن بنفسه هؤلاء الرعاع والسفلة فصار في مدة وجيزة صاحب شوكة وبأس. ولما لمس في نفسه القوة ورأى الخليفة المستعصم عاجزا لا رأي له ولا تدبير وساذجا اتفق مع طائفة من الأعيان على خلعه وتولية خليفة آخر من العباسيين في مكانه. وعند ما علم مؤيد الدين بن العلقمي نبا تلك المؤامرة أخبر الخليفة على انفراد قائلا: يجب تدارك أمرهم. فاستدعى الخليفة الدواتدار على الفور وأطلعه على ما قاله الوزير في شانه ثم قال له: لما كنت اعتمد عليك وأثق بك فاني لم أصغ إلى كلام الوزير وهو يغمزك وإني لأبلغك بأنه لا يجوز أن تخدع بآية ولا تحيد عن جادة الصواب. فلما أحس الدواتدار من الخليفة الشفقة والعطف أجاب قائلا: إن ثبت علي جرم فهذا رأسي وهذا هو السيف ومع هذا فأين يذهب عفو الخليفة وصفحه وغفرانه؟ أما هذا الوزير المزور المخادع فقد حمله الشيطان بعيدا عن الطريق المستقيم واختمرت في ذهنه المظلم فكرة الولاء والميل إلى هولاكو خان وجيش المغول وإن سعايته في حقي لمن أجل دفع هذه التهمة عن نفسه وإنه عدو الخليفة فهو يتبادل مع هولاكو خان الجواسيس. فاستماله الخليفة وقال له: منذ هذه اللحظة كن يقظا وعاقلا. بعد ذلك خرج مجاهد الدين من حضرة الخليفة وعلى سبيل المكابرة وعدم المبالاة أصر على مهاجمته فجمع حوله شطار بغداد وأوباشها وكانوا يلازمونه ليل نهار فخشي الخليفة مغبة الحال وجمع جيشا لدفع هذا الخطر. ثم زادت الفتنة والاضطراب في بغداد وكان الأهالي هناك قد ملوا العباسيين وكرهوا حكمهم. ولما عرفوا أن دولتهم قد آذنت بالمغيب ظهرت الأهواء المختلفة بينهم، فخاف الخليفة مغبة الأمر وعهد إلى فخر الدين ابن الدامغاني صاحب الديوان باخماد تلك الفتنة وكتب كتابا بخطه مؤداه: أن ما قيل في حق الدواتدار إنما هو محض افتراء وبهتان ونحن نعتمد عليه اعتمادا كليا وهو في أماننا. وعند ما أرسلت تلك الرسالة على يد ابن درنوش إلى الدواتدار حضر ومثل بحضرة الخليفة، فاستماله هذا وعاد معززا مكرما. ثم نودي في المدينة بان ما قيل في حق الدواتدار إنما هو كذب، وصار اسم الدواتدار يذكر في الخطبة بعد اسم الخليفة وبهذا خمدت الفتنة في يسر.
وقال هذا المؤرخ تحت عنوان توجه هولاكو إلى بغداد وتردد الرسل بينه وبين الخليفة وعاقبة تلك الحال قال: بلغ هولاكو الدينور في التاسع من ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وستمائة قاصدا بغداد ثم قفل راجعا ومضى إلى همذان في الثاني عشر من شهر رجب من تلك السنة. وفي العاشر من رمضان أرسل إلى الخليفة المستعصم بالله رسولا يتهدده ويتوعده قائلا: لقد أرسلنا إليك رسلنا وقت فتح قلاع الملاحدة وطلبنا مددا من الجند ولكنك أظهرت الطاعة ولم تبعث الجند، وكانت آية الطاعة والاتحاد أن تمدنا بالجيش عند مسيرنا إلى الطغاة. فلم ترسل إلينا الجند والتمست العذر ومهما تكن أسرتك عريقة وبيتك ذا مجد تليد فان لمعان القمر قد يبلغ درجة يخفى معها نور الشمس الساطعة ولا بد أنه قد بلغ سمعك على لسان الخاص والعام ما حل بالعالم والعالمين على يد الجيش المغولي منذ عهد جنكيز خان إلى اليوم والذل الذي حاق باسر الخورازمية والسلجوقية وملوك الديالمة والأتابكة وغيرهم ممن كانوا ذوي عظمة وشوكة وذلك بحول الله القديم الدائم، ولم يكن باب بغداد مغلقا في وجه أية طائفة من تلك الطوائف واتخذوا منها قاعدة ملك لهم فكيف يغلق في وجهنا برغم ما لنا من قدرة وسلطان، ولقد نصحناك من قبل، والآن نقول لك: احذر الحقد والخصام ولا تضرب المخصف بقبضة يدك ولا تلطخ الشمس بالوحل فتتعب. ومع هذا فقد مضى ما مضى فإذا أطاع الخليفة فليهدم الحصون ويردم الخنادق ويسلم البلاد لابنه ويحضر لمقابلتنا وإن لم يرد الحضور فليرسل كلا من الوزير مؤيد الدين وسليمان شاه والدواتدار ليبلغوه رسالتنا دون زيادة أو نقص فإذا استجاب لأمرنا فلن يكون من واجبنا أن نكن له الحقد، وسنبقي له على دولته وجيشه ورعيته أما إذا لم يصغ إلى النصح وآثر الخلاف والجدال فليعبئ الجند وليعين ساحة القتال فإننا متأهبون لمحاربته وواقفون له على استعداد، وحينما أقود الجيش إلى بغداد مندفعا بسورة الغضب فإنك لو كنت مختفيا في السماء أو في الأرض فسوف أنزلك من الفلك الدوار وسألقيك من عليائك إلى أسفل كالأسد ولن أدع حيا في مملكتك وسأجعل مدينتك وإقليمك وأراضيك طعمة النار.
فإذا أردت أن تحفظ رأسك وأسرتك فاستمع لنصحي بمسمع العقل والذكاء وإلا فسأرى كيف تكون إرادة الله. وبعد ما بلغ الرسل بغداد وبلغوا الرسالة أوفد الخليفة شرف الدين بن الجوزي وكان رجلا فصيحا ومعه بدر الدين محمود وزنكي النخجواني بصحبته الرسل وأجاب قائلا:
أيها الشاب الحدث المتمني قصر العمر ومن ظن نفسه محيطا ومتغلبا على