وجاء في كتاب الإجازات من بحار الأنوار نقلا من خط الشيخ محمد بن علي الجبعي مات الوزير السعيد العالم مؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد العلقمي سنة ست وخمسين وستمائة، استوزره المستعصم بالله الآخر الخلفاء العباسيين وكان قبله أستاذ الدار في عهد المستنصر ثم استوزره السلطان هولاكو مزيل الدولة العباسية فلم تطل مدته حتى توفي إلى رحمة الله عام الواقعة سنة ست وخمسين وستمائة ثاني جمادي الآخرة، وكان رحمه الله إمامي المذهب. صحيح الاعتقاد، رفيع الهمة محبا للعلماء والزهاد كثير المبار ولأجله صنف عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد شرح النهج في عشرين مجلدا والسبع العلويات وغيرها.
وقال الخوانساري في ترجمة نصير الدين الطوسي: ولما كان مؤيد الدين العلقمي الذي هو من أكابر الشيعة في ذلك الزمان وزير المستعصم الخليفة العباسي في بغداد أراد المحقق الطوسي دخول بغداد ومعارضته بما اختلج بخاطره من ترويج المذهب الحق بمعاونة الوزير المذكور وأنشأ قصيدة عربية في مدح المستعصم الخليفة، وكتب كتابا إلى العلقمي الوزير ليعرض القصيدة على الخليفة، ولما علم ابن العلقمي فضله ونبله ورشده خاف من قربه للخليفة أن تسقط منزلته عند المستعصم فكتب سرا إلى المحتشم الرئيس ناصر الدين الإسماعيلي حاكم قوهستان: إن نصير الدين الطوسي قد ابتدأ بارسال المراسلات والمكاتبات عند الخليفة في مدحه وأرسلها حتى أعرضها عليه، وأراد الخروج من عندك وهذا لا يوافق الرأي فلا تغفل عن هذا. فلما قرأ المحتشم كتابه حبس المحقق الطوسي.
وهذا ضد ما ذكره ابن الطقطقي من أن نصير الدين الطوسي هو الذي ثبت فضل مؤيد الدين ابن العلقمي وكفايته عند السلطان هولاكو، وهو يشبه الأخبار العامية التي لا تستند إلى وثيقة ولا إلى حقيقة. لأن التصديق به يوجب أن يكون نصير الدين الطوسي عدوا للوزير مؤيد الدين العلقمي فهو الذي منعه على زعمه من الاتصال بالخليفة المستعصم بالله ووشى به إلى حاكم قوهستان حتى حبسه فكيف يتركه سالما ويرى استيزاره عند فتح بغداد وهو يجري يومئذ من بطانته مجرى الوزير؟
وقال مؤلف الحوادث في أخبار سنة 656: وأما السلطان هولاكو فإنه وصل إلى ظاهر بغداد في ثاني عشر المحرم في جيش لا يحصى عدده ولا ينفد مدده وقد أغلقت أبواب السور، فعرف بذلك ضعفهم عن لقائه، فامر بحفر خندق فحفر وبني بترابه سور محيط ببغداد وعمل له أبواب ورتب عليها أمراء المغول وشرعوا في عمل ستائر للمناجيق، ونصبوا المناجيق والعرادات واستظهروا غاية الاستظهار والناس يشاهدون ذلك من وراء السور وقد نصبوا أيضا عليه المناجيق إلا أنها لم تصح ولا حصل بها انتفاع ثم إن السلطان أمر بعقد جسر تحت بغداد ليمنع من ينحدر إلى واسط فعقد تحت قرية العقاب ولم يعلم أهل بغداد به فكانت السفن تصل إليه فيؤخذ من بها ويقتل، فقتل عنده خلق كثير. فلما كان اليوم الرابع عشر من المحرم خرج الوزير مؤيد الدين بن العلقمي إلى خدمة السلطان في جماعة من مماليكه وأتباعه، وكانوا ينهون الناس عن الرمي بالنشاب ويقولون:
سوف يقع الصلح إن شاء الله فلا تحاربوا. هذا وعساكر المغول يبالغون في الرمي وقد اجتمع منهم خلق كثير على برج العجمي الذي عن يمين باب سور الحلبة ونصبوا عليه المناجيق وواصلوا الرمي بالحجارة فهدموه وصعدوا على السور في اليوم الحادي والعشرين من المحرم وتمكنوا من البلد وأمسكوا عن الرمي، وعاد الوزير إلى بغداد يوم الأحد سابع عشري المحرم وقال للخليفة: قد تقدم السلطان أن تخرج إليه. فاخرج ولده الأوسط وهو أبو الفضل عبد الرحمن في الحال، فلم يقع الاقتناع به، فخرج الخليفة والوزير في يوم الاثنين ثامن عشري المحرم ومعه جمع كثير، فلما صاروا ظاهر السور منعوا أصحابه من الوصول معه وأفردوا له خيمة وأسكن بها. وخرج مجاهد الدين أيبك الدويدار الصغير وشهاب الدين سليمان شاه وسائر الأمراء، في أول صفر وخرج ابن الخليفة الأكبر أبو العباس أحمد يوم الجمعة ثاني صفر ثم دخل الخليفة بغداد يوم الأحد رابع صفر ومعه جماعة من أمراء المغول وخواجه نصير الدين الطوسي وأخرج إليهم من الأموال والجواهر والحلي والزركش والثياب وأواني الذهب والفضة والأعلاق النفسية جملة عظيمة ثم عاد مع الجماعة إلى ظاهر السور بقية ذلك اليوم فامر السلطان بقتله فقتل يوم الأربعاء رابع عشر صفر ولم يهرق دمه بل جعل في غراره ورفس حتى مات ودفن وعفي أثر قبره وكان قد بلغ من العمر ستا وأربعين سنة وأربعة أشهر وكانت مدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأياما، ثم قتل ولده أبو العباس أحمد وكان مولده سنة إحدى وثلاثين وستمائة وله من الأولاد أبو الفضل محمد ورابعة وهي التي تزوج بها خواجة هارون ابن الصاحب شمس الدين الجويني ومولدها يوم عيد النحر سنة خمس وخمسين وستمائة وأختها ست الملوك، ثم قتل ابن الخليفة الأوسط أبو الفضل عبد الرحمن ومولده سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وله من الأولاد أبو القاسم محمد وبنت واحدة. وأما ولد الخليفة الأصغر مبارك وأخواته فاطمة وخديجة ومريم فإنهم لم يقتلوا بل أسروا، ثم عين على بعض الأمراء، فدخل بغداد ومعه جماعة ونائب أستاذ الدار ابن الجوزي وجاؤوا إلى أعمام الخليفة وأنسابه الذين كانوا في دار الصخر ودار الشجرة، وكانوا يطلبون واحدا بعد واحد فيخرج بأولاده وجواريه فيحمل إلى مقبرة الخلال التي تجاه المنظرة فيقتل، فقتلوا جميعا عن آخرهم ثم قتل مجاهد الدين أيبك الدويدار الصغير وأمير الحاج فلك الدين محمد بن علاء الدين الطبرس الدويدار الكبير وشهاب الدين سليمان شاه بن برجم وفلك الدين محمد بن قيران الظاهري وقطب الدين سنجر البكلكي الذي كان شحنة بغداد وحج بالناس عدة سنين وعز الدين ألب قرا شحنة بغداد أيضا ومحيي الدين يوسف ابن الجوزي أستاذ الدار وولده جمال الدين عبد الرحمن وأخوه شرف الدين عبد الله وأخوه تاج الدين عبد الكريم وشيخ الشيوخ صدر الدين علي بن النيار وشرف الدين بن عبد الله ابن أخيه، وبهاء الدين داود ابن المختار والنقيب الطاهر شمس الدين علي بن المختار وشرف الدين محمد بن طاوس وتقي الدين بن عبد الرحمن بن الطبال وكيل الخليفة، وأمر بحمل رأس الدويدار الصغير وابن الدويدار الكبير وسليمان شاه إلى الموصل فحملت، وعلقت ظاهر سور البلد، ووضع السيف في أهل بغداد يوم الاثنين خامس صفر وما زالوا في قتل ونهب وأسر وتعذيب الناس بأنواع العذاب واستخراج الأموال منهم بأليم العقاب مدة أربعين يوما فقتلوا الرجال والنساء والصبيان والأطفال فلم يبق من أهل البلد ومن التجا إليهم من أهل السواد إلا القليل، ما عدا النصارى فإنهم عين لهم شحاني حرسوا