وأهله ما كان سبب فساده مما وقع في هذا الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ مثله ولا أشنع منه منذ بنيت بغداد وإلى الآن، ولهذا كان الوزير هو أول من برز إلى التتار في أهله وأصحابه وخدمه وحشمه فارا إليهم فاجتمع بالسلطان هولاكوخان عليهم لعنه الله ثم عاد فأشار على الخليفة بالخروج والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم ونصفه للخليفة فاحتاج الخليفة إلى أن خرج في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والصوفية ورؤوس الأمراء والدولة والأعيان فلما اقتربوا من مخيم هولاكو حجبوا أولئك الذين مع الخليفة إلا سبع أنفس، فخلص الخليفة إلى هولاكو بهؤلاء السبعة وأنزل الباقون عن دوابهم ونهبت مراكبهم وقتلوا عن آخرهم، وأحضر الخليفة بين يدي هولاكو خان فسأله عن أشياء كثيرة، فيقال إنه اضطرب كلام الخليفة من هول ما رأى من الإهانة والجبروت ثم عاد إلى بغداد وفي صحبته خواجة نصير الدين الطوسي والوزير ابن العلقمي وغيرهما، والخليفة تحت الحوطة والمصادرة، فاحضر من دار الخليفة شيئا كثيرا من الذهب والحلي والمصاع والجواهر النفيسة، وقد أشار أولئك الملأ والرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو خان أن لا يصالح الخليفة وقال الوزير: متى وقع الصلح على المناصفة لاستمر هذا إلا عاما أو عامين ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك، وحسنوا له قتل الخليفة.
فلما عاد الخليفة إلى هولاكو أمر بقتله، ويقال إن الذي أشار بقتله الوزير ونصير الدين الطوسي وكان النصير عند هولاكو قد استصحبه في خدمته لما فتح قلاع الألموت وانتزعها من أيدي الإسماعيلية، وكان النصير وزيرا لشمس الشموس الإسماعيلي ولأبيه من قبله علاء الدين بن جلال الدين، وكانوا ينتسبون إلى نزار ابن المستنصر العبيدي، وانتخب هولاكو خان النصير ليكون في خدمته كالوزير فلما قدم بغداد وأراد قتل الخليفة هون عليه هذان الوزيران قتله فقتلوه رفسا بأرجلهم وهو في جوالق لئلا يقع من دمه شئ إلى الأرض: خافوا أن يؤخذ بثاره فيما قيل لهم.
وقيل بل خنق ويقال: بل غرق والله أعلم، فباؤوا بإثمه وإثم من كان معه من العلماء والصلحاء والقضاة والرؤساء والأمراء من أولي الحل والعقد وستأتي ترجمته في الوفيات.
وهاهنا إنتهى تخليط ابن كثير، ومن المؤرخين من امتد تخليطه إلى ذكره ناقلا غافلا أن هولاكو قتل الوزير ابن العلقمي قال محب الدين العيني في حوادث سنة 656 ووفياتها: الوزير ابن العلقمي الرافضي قبحه الله واسمه محمد بن أحمد بن علي بن أبي طالب الوزير مؤيد الدين أبو طالب وذكر ما قال ابن كثير وقال: هذا كله ذكره ابن كثير في تاريخه وقال بيبرس في تاريخه: وأما الوزير فهو مؤيد الدين ابن العلقمي فان هولاكو استدعاه بين يديه وعنفه على سوء سيرته وخبث سريرته وممالأته على ولي نعمته وأمر بقتله جزاءا بسوء فعله فتوسل وبذل الالتزام بالأموال يحملها واتاوة من العراق يحصلها. فلم يذعن لقبوله ولا أجابه إلى سوء فعله، بل قتله بين يديه صبرا وأوقعه الله في البئر التي احتفر وخانه فيما قدر صرف القدر (3) قال مصطفى جواد: ونسبة بعض المؤرخين ومن لف لفه تسريح الجنود إلى الوزير ابن العلقمي (4) تهمة أخرى من هذه التهم الكثيرة الباطلة التي اتهم بها هذا الوزير فان إدارة شؤون الجيش والتجنيد وإعطاء الأرزاق كانت بيدي مقدم الجيش مجاهد الدين أيبك الدويدار الصغير خصم الوزير وعدوه ولا شان للوزير فيها ولا نهي ولا أمر فباي وجه يتهم الرجل باقلال عدة الجنود بالحل والتسريح؟ قال مؤلف الحوادث في أخبار سنة 650:
وفيها فارق كثير من الجند بغداد لانقطاع أرزاقهم ولحقوا ببلاد الشام (5) وكانت شؤونهم قبل ذلك متعلقة بمقدم الجيوش إقبال الشرابي الملقب بشرف الدنى ثم توفى فقد ذكر المؤرخ نفسه في حوادث سنة 640 ما عنوانه " ذكر وقعة الأتراك " قال " وفى شعبان حضر جماعة المماليك الظاهرية والمستنصرية عند شرف الدين إقبال الشرابي للسلام على عادتهم وطلبوا الزيادة في معايشهم وبالغوا في القول وألحوا في الطلب فجرد عليهم وقال ما نزيدكم بمجرد قولكم بل نزيد منكم من نزيد إذا أظهر خدمة يستحق بها فنفروا على فورهم إلى ظاهر السور وتحالفوا على الاتفاق والتعاضد فوقع التعيين على قبض جماعة من أشرارهم فقبض منهم اثنان وامتنع الباقون وركبوا جميعا وقصدوا باب البدرية ومنعوا الناس من العبور فخرج إليهم مقدم البدرية وقبح لهم هذا الفعل فلم يلتفتوا إليه فنفذ إليهم سنجر الياغر فسألهم عن سبب ذلك فقالوا نريد أن يخرج أصحابنا وتزاد معايشنا فأنهى سنجر ذلك إلى الشرابي فأعاد عليهم الجواب أن المحبوسين ما نخرجهما وهم مماليكنا نعمل بهم ما نريد ومعايشكم ما نزيدها فمن رضى بذلك يقعد ومن لم يرض وأراد الخروج من البلد فنحن لا نمنعه وطال الخطاب في ذلك إلى آخر النهار ثم مضوا وخرجوا إلى ظاهر البلد فأقاموا هناك مظهرين للرحيل فبقوا على ذلك أياما فاجتمع بهم الشيخ السبتي الزاهد وعرفهم ما في ذلك من الاثم ومخالفة الشرع فاعتذروا وسألوه الشفاعة لهم وان يحضر لهم خاتم الأمان ليدخلوا البلد فحضر عند الشرابي وعرفه ذلك وسأله إجابة سؤالهم فأخرج لهم خاتم الأمان مع الأمير شمس الدين قيران الظاهري والشيخ السبتي فدخلوا والشيخ راكب حماره بين أيديهم وحضروا عند الشرابي معتذرين فقبل عذرهم وكانت مدة مقامهم بظهر السور سبعة أيام (6).
فقضية الجند وقلة معايشهم ومطالباتهم لم تكن في أيام الوزير ابن العلقمي بل قبل وزارته، ولا شان له فيها البتة كما ذكرنا آنفا.
وأما عزو التحريض على قتل العلماء والفقهاء إلى ابن العلقمي فهو تهمة باطلة أيضا، وأذكر لتفنيدها ما ذكره ابن الفوطي في ترجمة القاضي فخر الدين أبي بكر عبد الله بن عبد الجليل الطهراني قال: وهو ممن كان يخرج الفقهاء إلى باب السور إلى مخيم السلطان هولاكو مع شهاب الدين الزنجاني ليقتلوا وتوفي في رجب سنة سبع وستين وستمائة ودفن بالخيزارانية (7).