الخاص والعام والمعروف أن المستشارين أيام الخطر العسكري هم العسكريون لا المدنيون ولم يكن الوزير عسكريا، فكيف يعتمد عليه الخليفة دون قواد الجيش وأمراءه، وقد قدمنا أن الوزير لم يكن صاحب نفوذ على الخليفة بل أن النفوذ الحقيقي كان بأيدي الفئة العسكرية وعلى رأسها الدويدار الصغير عدو الوزير، ثم كيف كان يستطيع الوزير أن يمنع الرسل من الوصول إلى الخليفة وهل كان يلقي بهم في السجن وما هي الأمثلة على ذلك وإذا كان يفعل هذا فهل كان يستطيع منع أفراد العائلة العباسية من تحذير الخليفة أو الوقوف بين رجال الدولة الآخرين كصاحب الديوان وعارض الجيش والنقباء والمحتسب وغيرهم واخبار الخليفة بحقيقة الامر. ولو صحت هذه التهمة على الوزير لكان معناها أنه كان يترأس مؤامرة كبرى يشترك فيها أكبر رجال الحكومة لكن المصادر التاريخية تبين أن المراسلات كانت قائمة بين هولاكو والخليفة فعلا وأنها لم تكن سرية لأن الخليفة كان يستشير فيها حكومته وأن الخليفة أرسل ابن الجوزي إلى هولاكو وأن هذا الرسول كان مخلصا للخليفة بدليل أن هولاكو قتله بعد فتح بغداد.
ثالثا: أما عن تامر الوزير مع المغول لينصب علويا خليفة للمسلمين بدلا من المستعصم بالله فهو أمر مردود أيضا لأن علاقة العلويين بالعباسيين كانت طيبة في هذه الفترة. وقد عرض المستنصر بالله على رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن طاووس ت 664 ه 1265 م ان يلقب رسولا إلى سلطان التتر فرفض ذلك وعرض عليه أن يكون وزيرا ولكنه رفض أيضا. وقد قتل المغول الفاتحون العديد من العلويين ومنهم السيد شرف الدين بن الصدر العلوي وكان محترما في الدولة العباسية وروسل به الملوك وقد قتلوا نقيب العلويين علي بن النقيب الحسن بن المختار وعمر بن عبد الله بن المختار العلوي حاجب باب المراتب كما قتلوا نقيب المشهد موسى الكاظم وأحرقوا المشهد نفسه. يضاف إلى ذلك كيف يرضى العلويون بتنصيب أحدهم خليفة للمسلمين من قبل المغول الوثنيين وهل كان الوزير يستطيع تدبير مثل هذا الامر الخطير بدون استشارة كبار العلويين فمن هم هؤلاء؟؟ اما اتهام الوزير بأنه كان يعمل على أطماع المغول بالعراق ليكون نائبا لهم فهو مردود لأنه أي الوزير كان يشغل منصب الوزارة في دولة الخليفة وليس هناك ما يدل أنه كان سيمنح منصبا أعلى من ذلك.
رابعا: اختلفت الروايات التي تعين رسل الوزير إلى هولاكو فمنهم من قال أنه أرسل أخاه ومنهم من قال أنه أرسل غلامه ومنهم من قال أنه راسل هولاكو بواسطة ابن الصلايا العلوي صدر أربيل يضاف إلى ذلك اننا نلاحظ ما يأتي:
أ إن كل ما قيل عن رسل الوزير انما كان مجرد ترديد لإشاعات لا تستند إلى أي دليل فليس هناك حتى من ادعى أنه رأى أرسل ابن العلقمي إلى هولاكو أو قبض عليهم أو تحدث معهم أو شهدهم يدخلون على هولاكو.
ب إن هولاكو في مراسلاته مع الخليفة طلب مواجهة عدد من كبار رجال الدولة العباسية ولكنه لم يقصر طلبه على الوزير وحده في أية مرة من المرات وكان من المعقول أن يفعل ذلك لو كانت هناك اتصالات سرية بينهما.
ج إن ابن الصلايا العلوي الذي تزعم بعض المصادر أنه كان صلة بين الوزير وهولاكو لا يمكن أن يكون قد قام بالعمل الخياني هذا لأنه أحد الناس الذين أمر هولاكو بقتلهم.
خامسا: أن الوضع والتكلف يتضحان في نصوص الروايات التي تتهم الوزير فهو يحلق رأس رسوله ويكتب عليه بالأبر أو يجعل الكتابة على رأسه كل حرف كالحفرة وهو يخرج إلى هولاكو ليتوثق لنفسه ثم يعود إلى الخليفة ليبلغه أن هولاكو يرغب بزواج ابنته من ابن الخليفة وأن الأصلح الخروج مع أعيان الدولة لحضور عقد النكاح في وقت كان فيه الجيش المغولي يحيط ببغداد ويضربها بالمنجنيقات والمعروف أن هولاكو لم يجلب معه احدى بناته عند زحفه على العراق. وهو يبعث إلى ابن الصلايا العلوي رسالة متكلفة في أسلوبها وأفكارها مثل: فكان جوابي بعد خطابي لا بد من الشنيعة بعد قتل الشيعة... الخ. ومثل: فكن لهذا الأمر بالمرصاد وترقب أول النحل وآخر الصاد وغير ذلك.
سادسا: إن الزعم بان الخلفاء السابقين للمستعصم بالله وخصوصا المستنصر بالله كانوا يتخذون جيوشا كبيرة وأن الوزير ابن العلقمي عمل على صرفها وتفريقها ليسهل أمام هولاكو غزو العراق، أمر مردود للسببين التاليين:
أ ليس هنا ك دليل يؤيد اتخاذ أولئك الخلفاء جيوشا كبيرة بل يبدو أن العكس هو الصحيح فجيش الناصر لدين الله وهو أكثر الخلفاء العباسيين اهتماما بالأمور العسكرية ورغبة في التوسع، لم يستطع الوقوف أمام الخوارزميين ومنهم السلطان جلال الدين منكوبرتي الذي لم يستطع بدوره الوقوف أمام المغول لأنهم هزموه وشردوه فكيف يستطيع الجيش العباسي وحده الوقوف أمامهم.
يضاف إلى ذلك أن غزوات المغول للعراق تكررت أيام المستنصر بالله وكان الخوف منهم يسيطر على البلاد ولو كان لدى الخليفة جيش كبير لهاجم المغول في قواعدهم وهي إيران مع أنهم لم يكونوا في عهده على ما وصفهم أستاذ داره غير سرايا متفرقة وغارات متفقة. ولكن قوات الخليفة التي وقفت لمحاربتهم كانت ضعيفة وقليلة العدد.
ب كيف يستطيع الوزير اقناع الخليفة بصرف أكثر جنوده والاكتفاء بالقليل منهم في وقت كان الخطر المغولي يهدد الدولة العباسية والعراق وكان للخليفة مستشارون عسكريون متعددون على رأسهم الدويدار الصغير عدو الوزير؟؟
سابعا: هناك مصادر مهمة لم ترد فيها أية إشارة إلى خيانة الوزير مثل