261: السيد محمد الأمين الثاني ابن السيد علي ابن السيد محمد الأمين ابن السيد الحسن موسى ابن السيد حيدر ابن السيد احمد الحسيني عم المؤلف.
ولد في حدود سنة 1227 وتوفي في شهر رمضان سنة 1297 كان رئيسا جليلا عظيم النفس عالي الهمة يسمو إلى معالي الأمور ويرى أنه لا يستحيل عليه ان يكون أجل وأسمى من أحد من الناس. توفي أبوه وهو في ريعان الشباب واخوته كثيرون وفيهم من هو أعلم منه واعرف فشمر عن ساعد الجد وسعى في اخذ منصب الإفتاء بعنوان مفتي بلاد بشارة الذي كان لأبيه وجده من قبله فاخذه أولا بالوكالة ثم بالأصالة وخالط الحكام والأمراء وسما مقامه عندهم وهابته الرؤساء وتهافتت عليه الوفود وكانت داره في شقراء كعبة الوفاد ومنهل الوراد ووفد على إبراهيم باشا بن محمد علي باشا أمير مصر واخذ منه فرمانات بقرية الصوانة وبأربعة فدن في شقراء كانت معطاة لأبيه معاشا له عن منصب الإفتاء ولجده من قبل واستبد على اخوته ولم يبال بأحد منهم ومنعهم من قرية الصوانة التي كانت معطاة لأبيه من قبل عبد الله باشا ابن علي باشا الخزندار والي عكا وما إليها والتجأوا إلى حمد البك وبعده إلى علي بك امراء تبنين فكانوا يساعدونهم عند عداوتهم معه ويخذلونهم إذا صالحوه ومع ذلك لم تجد مساعدتهم شيئا وتحول في آخر امره إلى الصوانة وسكنها وهجر شقراء.
تربع المترجم في دست الرياسة وخالط الحكام والأمراء وسما مقامه عندهم ولم يرض بالضيم في حال من الحالات وكان إذا أراد حاكم أو آمر ان يسومه الضيم أبت نفسه ذلك وقلب له ظهر المجن وقابله بكل شجاعة وثبات جنان وأجابه بأخشن جواب وله مع الحكام والأمراء المقامات المشهورة في ذلك فطالما صال عليهم وطال بلسان كالسيف وجنان كالحجر الصلد وتهدده بعض الولاة مرة بالحبس فقال له انك تستطيع ان تحبس جسمي ولا تستطيع حبس لساني وقلمي وكان في كثير من أوقاته في نزاع ونضال مع بعض الولاة العثمانيين وامراء البلاد وذلك أنه لم يكن يرضى بمظلمة ولا يهاب أحدا مهما عظم ولا يرى لاحد من الناس تفوقا عليه ومن جراء ذلك نفي في بعض الأوقات إلى طرابلس الشام ثلاث سنين وجرت له صحبة وصداقة مع أعيانها وعلى الأخص آل الثمين وجرت بينهم وبينه مراسلات بعد ذلك. وحدث خبير ان سبب نفيه إلى طرابلس انه اجتمع جماعة من عظماء سوريا منهم المترجم واحمد باشا الصلح وغيرهما وقرروا انشاء دولة عربية واختاروا لها الأمير عبد القادر الجزائري وخابروه بذلك واجتمعوا به وكانت كتب السيد محمد الأمين ترد اليه إلى دمشق ويكتب في أعلاها إلى دار الامارة فعلمت بذلك الدولة العثمانية فكان سبب نفيه إلى طرابلس وهذا الخبير ينقل ذلك عن رضا بك الصلح عن أبيه احمد باشا الذي كان أحد أعضاء هذا المؤتمر. رأيته مرة وانا في سن الطفولية فرأيت رجلا صبيح الوجه بهي المنظر جهوري الصوت طلق اللسان كأنه زجل الرعد بطينا ابيض الرأس والحية تلوح الشجاعة وعلو الهمة على أسارير وجهه وملامح عينيه وكان يومئذ قد حضر من بيروت وكان يتخاصم فيها ويتحاكم مع يوسف آغا المملوك وخليل بك الأسعد وقد احضر معه عدة من الدواوين الشعرية وبعض الكتب وكنا جماعة من أبناء اخوته وغيرهم فأعطى كل واحد منا كتابا أو ديوانا ووقفه عليه وكتب صورة الوقف بخطه على ظهره وجعل يحثنا على طلب العلم. وكانت له املاك وعقارات كثيرة وكان على ما هو فيه من الصفات الجميلة المشار إليها سئ الإدارة لأملاكه وله همة في الاستملاك لا الاستغلال وكان لباسه وطعامه بسيطا مع ما هو فيه من الثروة والجاه الطويل العريض وكان حليما صفوحا لا يحتاج خصمه في الصفح عنه إلى أكثر من رؤيته والاعتذار اليه وكان في خصوماته مع اخصامه اهل الطول والحول لا يستعين بغير الله وقوة جنانه ويكون له في أكثر الحالات الظفر عليهم مع ما يبذلون من الأموال الطائلة ويقاسون من المتاعب في سبيل الغلبة عليه وطالما كان الولاة يلزمونهم بمصالحته بعد خصومات طويلة حينما يعجز الولاة امره وفي جل تلك الخصومات أو كلها يكون مظلوما ولا يكون له ذنب الا إباء الضيم وقد ظهرت له كرامة عظيمة في بعض تلك الخصومات التي كان مظلوما فيها وقد اقسم الله تعالى أن لا يجوزه ظلم ظالم: حدثني الحاج إبراهيم ابن الحاج حسن عبد الله من اهل قرية الخيام في جبل عامل وكنا يومئذ بمرج الخيام ان اجتمع أكثر كبراء جبل عامل في قرية الخيام بقصد تنظيم مضبطة بحق السيد محمد الأمين والشكاية عليه إلى الحاكم فنظمت تلك المضبطة وختمها جميع من كان هناك وختمها مختار الشيعة ومختار النصارى في الخيام وبات القوم بقصد إرسالها في الصباح لتختم من اهل جبل عامل فمات تلك الليلة مختار النصارى فجأة وأغلق الذين ختموها عليهم غرفة وفيها منقل فيه الفحم فأشرفوا على الهلاك وفي الصباح اخذ المضبطة رجل يسمى الشيخ صادق من عائلة الشيخ إبراهيم بن يحيى الشاعر المشهور فلما وصل إلى أوائل مرج الخيام سقط عن الفرس فكسرت رجله وارجع إلى الخيام محمولا فبعثت المضبطة مع غيره فجرى له شئ من هذا النوع غاب عن حفظي فلما جرى ذلك كله قال لهم رجل من وجوه جبل عامل ممن ختم المضبطة يسمى أبو سويد من اهل زبدين دعوا هذا السيد الجليل وارفعوا أذاكم عنه والا هلكتم وكان أبو سويد ممن أشرف على الموت في حادثة الفحم فتفرقوا بعد ما مزقوا المضبطة وكفاه الله تعالى شرهم يقول مؤلف الكتاب وانا كنت يومئذ صغير السن وسمعت هذا الذي نقله لي الحاج إبراهيم كله من أفواه الناس متواترا حين وقوعه والحاج إبراهيم الناقل لهذا كان ممن ختم المضبطة وجرت الواقعة في دار أخيه الحاج محمد في الخيام فهو ليس بمتهم في نقله وكان الحاج إبراهيم المذكور من عقلاء الرجال ووجهائهم. وتوفي السيد محمد الأمين في قرية الصوانة ودفن بها في مقبرة أعدها لنفسه وولده وحضرت يوم دفن وانا صغير السن فشيع بمحفل عظيم حافل حضره جميع اهل جبل عامل وما جاورها وكنت ادخل عليه بعد موته وهو مسجى وجماعة يقرءون عنده القرآن فما أذكر انني رأيت أحدا بعد موته مثله في صباحة وجهه وجمال منظره ومهما نسيت فلا أنسى انني لم أكن أجد الوحشة التي توجد عند رؤية الأموات مع صغر سني ولا أنسى جمال انفه وتناسقه ويقال انه مات مسموما على يد خادم له والله اعلم.
وقد جمع أشعاره وما مدح به في كتاب ورتبه على حروف المعجم مدائحه قال الشيخ عبد الله البلاغي يمدحه تصيخ لك الاسماع ما دمت قائلا * وتعولك الابصار ما دمت كاتبا إذا زان قوما بالمناقب واصف * ذكرنا به شخصا يزين المناقبا لك الشيم الغر التي لو تجسمت * لكانت لوجه الدهر عينا وحاجبا أيا ماجدا لم يقبل المجد وارثا * ولكن سعى حتى حوى المجد كاسبا تبسم ثغر الدهر منه بصاحب * إذا جد لم يصحب سوى العزم صاحبا