فراغه من فتح قلاع الملاحدة وأن يعود إلى خراسان وتركستان لأن قلب الخليفة متأثر وساخط بسبب زحف هولاكو بجيوشه، فإذا كان هولاكو نادما حقا على فعلته فعليه أن يعيد الجيش إلى همذان لكي نجعل الدواتدار شفيعا فيتضرع إلى الخليفة عله يزول ألمه ويقبل الصلح فيغلق بذلك باب القتال والجدال. فلما عرض سلطان جوقة تلك الرسالة على هولاكو ضحك وقال: إن اعتمادي على الله لا على الدرهم والدينار فإن كان الله الأزلي مساعدا لي ومعينا فما ذا أخشاه من الخليفة وجيشه؟ تتساوى في نظري النملة والبعوضة والفيل كما يتساوى الينبوع والنهير والبحر والنيل، ولو كان أمر الله على خلاف تلك فمن يدري سواه كيف يكون ذلك الكلام؟ وإلا فليتأهب للقتال وليحضر إلينا قبل كل شئ الوزير وسليمان شاه والدواتدار ليسمعوا ما نقول.
وفي اليوم التالي سار هولاكو وعسكره على شاطئ نهر حلوان في التاسع من ذي الحجة سنة 655 حيث أقام إلى الثاني والعشرين من ذلك الشهر، وفي هذه الأيام استولى كيتو بوقا على كثير من بلاد لرستان طوعا وكرها. وفي الحادي عشر من شهر جقشاباط من سنة موعاييل الموافق التاسع من المحرم سنة 656 عبر بايجونوين وباقا تيمور وسونجاق في الوقت المقرر نهر دجلة عن طريق نهر دجيل ووصلوا إلى نواحي نهر عيسى، وقد التمس سونجاق نوين إلى بايجو أن يكون قائدا لجيش غرب بغداد ثم سار بعد الاستئذان وجاء إلى حربي. وقبل ذلك كان مجاهد الدين أيبك الدواتدار الذي كان قائدا لجيش الخليفة ومعه فتح الدين ابن كر قد أقاما معسكرهما بين بعقوبا وباجسرا، وحينما سمعا بمجئ المغول إلى الضفة الغربية عبرا نهر دجلة وحاربا سونجاق وبوقا تيمور في حدود الأنبار على باب قصر المنصور في أعلى المزرفة على تسعة فراسخ من بغداد، فلوى جنود المغول العنان وجاؤوا إلى البشيرية من ناحية دجيل، فلما لحقوا ببايجو ووصل هؤلاء أعادوهم، وفي تلك النواحي كان يوجد نهر كبير ففتح المغول السد المقام عليه فغمرت المياه كل الصحراء الواقعة خلف جيش بغداد. وفي فجر يوم الخميس من نهار عاشوراء دهم بايجو وبوقا تيمور الدواتدار وابن كر وانتصرا عليهما فهزم جيش بغداد وقتل فتح الدين ابن كر وقراسنقر اللذان كانا قائدي الجيش مع اثني عشر ألف رجل فضلا عمن غرق أو قضى نحبه في الوحل، اما الدواتدار فقد فر هاربا مع نفر ضئيل وعاد إلى بغداد، كما هرب البعض إلى الحلة والكوفة. وفي يوم الثلاثاء منتصف المحرم قدم بوقا تيمور وبايجو وسونجاق إلى بغداد واستولوا على الجانب الغربي، ونزلوا في أحياء المدينة على شاطئ دجلة ووصل أيضا بوقا نوين والأمراء الآخرون من ناحية النخاسية وصرصر بجيش عظيم.
وترك هولاكو خان معسكراته في خانقين وواصل سيره إلى بغداد ونزل في الجهة الشرقية منها في السابع من شهر جقشباط من سنة موغا الموافق الحادي عشر من المحرم سنة 656 ثم تدفق الجيش المغولي كالنمل والجراد من كل جهة وناحية فحاصروا أسوار بغداد واحتموا بجدار أقاموه. وفي يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من المحرم شرعوا في الحرب والتحم الجيشان وكان هولاكو في القلب من طريق خراسان على الجانب الأيسر من المدينة في مقابل برج العجمي، وكان ايلكا نوين وفربا على باب كلواذا، أما قولي وبولغا وتوتار وشيرامون وأرقيو فقد نزلوا في عرض ظاهر المدينة في مواجهة باب سوق السلطان، وكان بوقا تيمور يقف في جهة القلعة وجانب القبلة بموضع دولاب البقل، وكان بايجو وسونجاق يرابطان في الجانب الغربي حيث المارستان العضدي وكان الجميع يحاربون وقد صوبوا المجانيق مباشرة تجاه برج العجمي حتى أحدثوا فيه ثغرة. وعندئذ أرسل الخليفة الوزير والجاثليق إلى هولاكو يقول: إن الملك قد أمر بان أبعث اليه بالوزير وها أنا ذا قد لبيت طلبه فينبغي أن يكون الملك عند كلمته. فرد الملك قائلا:
إن هذا الشرط طلبته وأنا على باب همذان أما الآن فنحن على باب بغداد وقد ثار بحر الاضطراب والفتنة فكيف أقنع بواحدة، ينبغي أن ترسل هؤلاء الثلاثة يعني الدواتدار وسليمان شاه والوزير. ثم ذهب الرسل إلى المدينة وفي اليوم التالي لذاك خرج إلى هولاكو الوزير ابن العلقمي وصاحب الديوان فخر الدين ابن الدامغاني وجمع من المعارف والمشاهير، ولكنه أعادهم وقد دارت حرب طاحنة مدة ستة أيام، ثم أمر الملك بان يكتب ستة منشورات تفيد بان القضاة والعلماء والشيوخ والسادات والتجار وكل من لا يحاربنا لهم الأمان. وربطوا هذه المنشورات بالنبال وألقوها على المدينة من جوانبها الستة. ولما لم تكن توجد حجارة للمجانيق في أطراف بغداد فإنهم كانوا يأتون بها من جبل حمرين وجلولاء وكانوا يقطعون النخيل ويرمون بقطعها بدلا من الحجارة، وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من المحرم هدم المغول برج العجمي وفي يوم الاثنين الثامن والعشرين وحيث كان يقف هولاكو تسلق جنود المغول السور عنوة وطهروا أعالي الأسوار من الجند، لكنهم لم يتسلقوا الأسوار من ناحية سوق السلطان حيث كان يحارب بولغا وتوتار، فعاتبهم السلطان، كذلك لم يذهب أتباعهم كذا وفي المساء تسلم المغول جميع الأسوار الشرقية، بعد ذلك أمر هولاكو خان بان يقيموا جسرا في أعلى بغداد وآخر في أسفلها وأن يعدوا السفن وينصبوا المجانيق ويعينوا المستحفظين، وكان بوقا تيمور قد رابط مع عشرة آلاف جندي على طريق المدائن والبصرة ليصد كل من يحاول الهرب بالسفن. ولما حمي وطيس الحرب في بغداد وضاق الحال على الأهالي أراد الدواتدار أن يركب سفينة وأن يهرب إلى ناحية السيب ولكنه بعد أن اجتاز قرية العقاب أطلق جند بوقا تيمور حجارة المنجنيق والسهام وقوارير النفط واستولوا على ثلاث سفن وأهلكوا من فيها وعاد الدواتدار