حشد الجنود من الأطراف ولحملت عليهم بجيش في غارة ليلية وشتت شملهم، ولو جرت الأمور على خلاف ذلك فأولى بالفتى أن يقتل في حومة الوغى في عزة وشرف وعند ما بلغ الخليفة هذا الكلام أعجب به وقال للوزير: إن كلام سليمان شاه له الأثر في النفس المنهكة فاستعرض الجند حسب تقريره لأغنيهم بالدرهم والدينار، وسلم أمرهم إلى سليمان شاه ليحقق خطته. على أن الوزير ابن العلقمي عرف أن الخليفة لن يمنح مالا، لكنه لم يبد على الفور رأيا مخالفا لأعدائه، وأمر العارض أن يعرض الجنود بالتدرج فوجا فوجا، ليصل نبا تعبئة الجنود في حضرة الخليفة إلى البعيد والقريب والترك والعرب فتفتر عزيمة العدو. وبعد خمسة أشهر أبلغ العارض الوزير أن الجند قد صاروا عددا وفيرا وجيشا جرارا وأن على الخليفة أن يمنح المال، فعرض الوزير الأمر على المستعصم ولكنه اعتذر فيئس الوزير من مواعيده كلية ورضي بالقضاء ووضع عين الانتظار على نافذة الاصطبار حتى يكشف الفلك نفسه عما وراء الستار. ولما كان الدواتدار في تلك المدة خصما للوزير فان اتباعه من سفلة المدينة وأوباشها كانوا يذيعون بين الناس ان الوزير متفق مع هولاكو خان وأنه يريد نصرته وخذلان الخليفة، فقوي هذا الظن. ثم أرسل الخليفة ثانية هدية صغيرة إلى هولاكو على يد بدر الدين ريكي قاضي بندنيجان وبعث يقول:
لو غاب عن الملك فله أن يسال المطلعين على الأحوال إذ أن كل ملك حتى هذا العهد قصد أسرة بني العباس ودار السلام بغداد كانت عاقبته وخيمة ومهما قصدهم ذوو السطوة من الملوك وأصحاب الشوكة من السلاطين فان بناء هذا البيت محكم للغاية وسيبقى إلى يوم القيامة. وفي الأيام السالفة قصد يعقوب بن الليث الصفار الخليفة وتوجه بجيش لجب إلى بغداد فلم يبلغ مآربه إذ مات بعلة الزحار والأمر كذلك مع أخيه عمرو إذ قبض عليه إسماعيل بن أحمد الساماني وكبله وأرسله إلى بغداد لكي يجري عليه الخليفة ما حكم به القضاء وكذلك جاء البساسيري بجيش عظيم من مصر إلى بغداد وقبض على الخليفة وسجنه في الحديثة. وفي بغداد جعل الخطبة والسكة مدة عامين باسم المستنصر الذي كان خليفة الإسماعيلية في مصر وفي النهاية علم طغرلبك بذلك فأسرع من خراسان وقصد البساسيري في جيش جرار وقبض عليه وقتله، وأخرج الخليفة من السجن وأعاده إلى بغداد وأجلسه على عرش الخلافة وكذلك قصد السلطان محمد بن محمود السلجوقي بغداد فعاد منهزما وهلك في الطريق، وجاء محمد خوارزم شاه بجيش عظيم قاصدا استئصال الأسرة فابتلي في روابي أسدآباد بالثلج والعواصف بسبب غضب الله عليه، وهلك أكثر جنوده وعاد خائبا خاسرا لاقى ما لاقى من جدك جنكيز خان في جزيرة آبسكون فليس من المصلحة أن يفكر الملك في قصد أسرة العباسيين، فاحذر عين السوء من الزمان الغادر. فاشتد غضب هولاكو بسبب هذا الكلام وأعاد الرسل قائلا: اذهب فاصنع من الحديد المدن والأسوار وارفع من الفولاذ الأبراج والهياكل واجمع جيشا من المردة والشياطين ثم تقدم نحوي للخصام والنزال فسأنزلك ولو كنت في السماء وسأدفع بك غصبا إلى أفواه السباع.
ثم قال: تحت عنوان قصة اشتغال هولاكو خان بترتيب الجيش وتجهيزه لفتح بغداد وما حولها قال: عند ما أعاد هولاكو الرسل كان يفكر في كثرة جند بغداد فاشتغل باعداد الجيش وتجهيزه وأراد أن يرسل أغلب الجند إلى نواحي بغداد حيث الجبال الشاهقة المنيعة فيستولي عليها، ثم أرسل رسولا لاستدعاء حسام الدين عكر الذي كان حاكما على درنتك وما حولها من قبل الخليفة وكان حنقا عليه، فسلم حسام الدين درنتك دون تردد إلى ابنه الأمير سعد وحضر بنفسه لتقديم الطاعة لهولاكو فشمله بكثير من العطف والرعاية وأذن له في العودة ومنحه حصني وروده والمرج وعدة قلاع أخرى ثم قفل راجعا فأرسل إلى كل قلعة جيشا فخضع له أهلها جميعا وسلموا إليه القلاع. ولما تحققت أمنية حسام الدين التي طالما تمناها وتجمعت عنده جنود سليمان شاه بن برجم تعاظم وتكبر فأرسل إلى تاج الدين ابن الصلايا العلوي زعيم إربل يرجو منه أن يتوسط في الصلح بين الديوان العزيز وبينه وقال: لقد قدرت هولاكو خان وما عليه من كفاءة وكياسة ومهما يكن له من العنف والتهديد فليس له عندي قدر ولا وزن. فلو طيب الخليفة خاطري وطمأن قلبي وبعث إلي بجيش من الفرسان لجمعت أنا أيضا ما يقرب من مائة ألف من فرق المشاة من كرد وتركمان ولسددت الطرق في وجه هولاكو ولا أدع أي مخلوق من جنده يدخل بغداد. فعرف ابن الصلايا الوزير ابن العلقمي بذلك. فعرضه هذا بدوره على الخليفة، فلم يبد اهتماما كثيرا. ولما بلغ هولاكو خان هذا لدفعهم. وعند ما اقترب منهم استدعى حسام الدين قائلا: لقد صممنا على قصد بغداد ونحن في حاجة إلى مشاورتك. فحضر حسام الدين دون تفكر أو تدبير وأوكل به كيتو بوقا وقال: إذا أردت النجاة والبقاء حاكما على هذه القلاع فانزل نساءك وأبناءك وأتباعك وجنودك جميعا من هذه القلاع لكي أحصيهم وأقرر لهم الأموال والمؤن. فلم يجد حسام الدين بدا من الطاعة وأحضرهم جميعا، فقال كيتو بوقا: إذا كانت ميولك مخلصة للملك فمر بتخريب جميع القلاع ليتحقق هذا المعنى. فأدرك أن كلماته التافهة بلغت مسامعهم، فيئس من حياته الغالية وأرسل من يهدم كل القلاع. ثم قتله المغول مع كافة أتباعه وأشياعه ما عدا أهل القلعة التي كان فيها ابنه المألوف في الأدب الفارسي ان تتضمن الخطب والرسائل وحتى البعض من عروض التواريخ والوقائع شواهد من الشعر يرصعون بها تلك الألواح وقد تنظم هذه الشواهد خصيصا لتلك الرسائل والخطب وغيرها ويجيئون بها شواهد كما يقع ذلك في الخطب العربية وقد كان للسلاطين والملوك والأمراء من يقوم بتحبير هذه الرسائل كما هو عند الأمويين وعند العباسيين بصورة خاصة لذلك حين قام المؤرخ بعرض القضية في الفارسية ونقل صورة الكتاب فإنه فعل ذلك حسب مقتضيات القواعد الفارسية.
(11) في ترجمتي الفرنسية " وعزم قبل كل شئ ان يرسل سرايا للاستيلاء على ثغور العراق وقرى بغداد وفيها جبال عسير سلوكها " وهو أوضح وأصح.
(12) هي البلاد التي تلى حلوان من حلوان العراق من الغرب.
(13) في الترجمة وارسل ابن صلابة العلوي إلى حاكم إربل ليصلحه مع ديوان الخليفة " وهو تخبيط وتخليط. (*)