الأمير سعد، فقد طلبوا إليه التسليم تخويفا وإرهابا فلم يجبهم وقال: إن عهدكم غير صحيح ولا أثق به. ثم ظل يجول مدة خليع العذار في تلك الجبال وأخيرا سار إلى بغداد ولقي من ديوان الخليفة حسن الاستقبال إلى أن قتل في حرب بغداد. وعاد كيتو بوقا مظفرا منصورا إلى حضرة هولاكو.
وكان الخان يتشاور مع أركان الدولة وأعيان الحضرة في أمر تصميمه على الزحف إلى بغداد فكان منهم من يبدي رأيه حسب ما يعتقد، ثم طلب حسام الدين المنجم الذي كان مصاحبا له بامر القاآن ليختار وقت النزول والركوب وقال له: بين كل ما يبدو لك في النجوم دون مداهنة. ولما كانت له جرأة بسبب تقربه فقد قال بصورة مطلقة: إنه ليس ميمونا قصد أسرة الخلافة والزحف بالجيش إلى بغداد إذ أن كل ملك حتى زماننا هذا قصد بغداد والعباسيين لم يستمتع بالملك والعمر وإذا لم يصغ الملك إلى كلامي وذهب إلى هناك فستظهر ستة أنواع من الفساد أولها أن تنفق الخيول كلها ويمرض الجنود وثانيها أن الشمس لا تطلع وثالثها أن المطر لا ينزل ورابعها تهب ريح صرصر وينهار العالم بالزلزال وخامسها لا ينبت النبات في الأرض وسادسها أن الملك الأعظم يموت في تلك السنة. فطلب منه هولاكو شهادة بصحة هذا الكلام فكتبها المسكين وقال الكهان المغول والأمراء:
إن الذهاب إلى بغداد هو عين المصلحة... وبعد ذلك استدعى هولاكو خان الخواجة نصير الدين الطوسي واستشاره فخاف الخواجة وظن أن الأمر على سبيل الاختبار فقال: لن تقع أية واقعة من هذه الأحداث. فقال هولاكو: إذن ما ذا يكون؟ قال: إن هولاكو سيحل محل الخليفة. ثم أحضر هولاكو حسام الدين ليتباحث مع الخواجة فقال الخواجة: لقد استشهد جمع كثير من الصحابة باتفاق آراء الجمهور وأهل الاسلام ولم يحدث فساد قط ولو قيل إن للعباسيين مكرمة خاصة بهم فان طاهر بن الحسين جاء من خراسان بامر المأمون وقتل اخاه محمدا الأمين، وقتل المتوكل ابنه بالاتفاق مع الأمراء، كذلك قتل الأمراء والغلمان المنتصر والمعتز وقتل عدد من الخلفاء على يد جملة اشخاص فلم تختل الأمور فأضاء قلب الملك من قول العالم كأنه زهرة العلل في الربيع الباكر.
وقال هذا المؤرخ بعد ذلك تحت عنوان تصميم هولاكو خان وتحركه بعد ذلك إلى بغداد وزحف الجيوش من كل ناحية وصوب إلى مدينة السلام والاستيلاء عليها وانتهاء الدولة العباسية.
بعد ذلك عقد هولاكو النية على فتح بغداد فامر بان تتحرك جيوش جرماغون وبايجونوين اللذين كانت معاقلهما في بلاد الروم وأن تسير على الميمنة إلى الموصل عن طريق إربل ثم تعبر جسر الموصل وتعسكر في الجانب الغربي من بغداد وذلك في وقت معين حتى إذا قدمت الرايات من المشرق تخرج إليها من تلك الناحية، ويسير الأمير بلغا بن شيبان بن جوجي والأمير توتار بن سكنقور، وقولي بن أورده بن جوجي وبوقا تيمور وسونجاق من الميمنة أيضا ويدخلون من مضيق سونتاي نوين إلى ناحية هولاكو خان. أما قوات كيتو بوقا نوين وقدخون ونرك ايلكا فعلى الميسرة كانت تزحف من حدود لرستان والبيات وتكريت وخوزستان التي تمتد إلى ساحل بحر عمان. ثم ترك هولاكو المعسكرات والأفواج في مرج زكي من ضواحي همذان وأقر عليهم قياق نوين. وفي أوائل المحرم سنة 655 سار بالجيوش في القلب الذي يسميه المغول قول نحو كرمانشاهان وحلوان وكان في ركابه كبار الأمراء: كوكا ايلكا وأرقتو وأرغون آقا، ومن الكتاب قرتاي وسيف الدين البينكجي المدير لشؤون المملكة والخواجة نصير الدين الطوسي والصاحب السعيد علاء الدين عطا ملك الجويني مع كافة السلاطين والملوك وكتاب بلاد إيران. وعند ما بلغ أسدآباد أوفد رسولا لدعوة الخليفة مرة أخرى للحضور فكان يماطل ويتعلل ووصل ابن الجوزي إلى الدينور للمرة الثانية قادما من بغداد يحمل رسالة بالوعد والوعيد وملتمسا أن يعود هولاكو خان ويتراجع في مقابل أن يسلم الخليفة للخزانة كل ما يقرره هولاكو خان. فظن هذا أن الخليفة يريد من وراء عودة الجيش أن يعد جنده ويهيئهم لمقاومة المغول فقال: وكيف نترك زيارة الخليفة بعد كل ما قطعناه من هذا الطريق؟! سوف نعود باذنه بعد الحضور للقائه والتحدث معه. وقد تحرك جنود المغول من هناك إلى جبال الأكراد ونزلوا بكرمانشاه في السابع والعشرين من الشهر وقاموا بالقتل والسلب وأرسلوا رسولا ليحضر على الفور الأمراء: سونجاق وبايجو نوين وسنتاي، فوصلوا إلى الحضرة في طاق كري ثم قبضوا على أيبك الحلبي وسيف الدين قلج اللذين كانا من طلائع جيش الخليفة وأحضروهما إلى الحضرة فأعطى هولاكو الأمان لأيبك وفي نظير ذلك قبل أن يقول الصدق ثم جعلهما هولاكو مرشدين لطلائع قوات المغول، بعد ذلك أعاد الأمراء مرموقين بالعطف والرعاية ليعبروا نهر دجلة ويتوجهوا إلى غربي بغداد، وأحرقوا أكتاف الأغنام، جريا على عادتهم، ثم عادوا وعبروا نهر دجلة قاصدين غربي بغداد. وفي تلك الجهة كان قائد الطلائع لجند الخليفة ببغداد هو قبجاق المعروف بقراسنقر، وأما سلطان جو الذي كان من نسل الخوارزميين فقد كان مع طلائع المغول، فكتب هذه الرسالة إلى قراسنقر يقول فيها: إنني وأنت من جنس واحد وبعد البحث والتدقيق التحقت بخدمة هولاكو بسبب الفقر والاضطرار ودخلت في طاعته وهو الآن يعاملني معاملة طيبة فأنقذ أنت أيضا حياتك وترفق بها وأشفق على أولادك وقدم الطاعة حتى تأمن على دارك وأولادك ومالك وروحك من هؤلاء القوم، فكتب إليه قرا سنقر مجيبا: من يكون هؤلاء المغول حتى يقصدوا أسرة العباسيين، لقد شاهدت هذه الأسرة الكثيرين من أمثال دولة جنكيز خان وإن أساسها لأكثر إحكاما ورسوخا من أساس أسرة جنكيز خان التي تترنح من كل ريح عاصف، ثم إن العباسيين قد استمروا حكاما أكثر من خمسمائة سنة وكل مخلوق قصدهم بسوء قضى عليه الزمان وإذن فليس من العقل والكياسة أن تدعوني لأنضم إلى جانب الغصن الغض لدولة جنكيز خان، وكان الأولى بالود والمسالمة أن لا يتجاوز هولاكو خان الري بعد