أدرك بخيلك خيل الله أندلسا * ان السبيل إلى منجاتها درسا وهب لها من عزيز النصر ما التمست * فلم يزل منك عز النصر ملتمسا وحاش مما تعانيه حشاشها * فطالما ذاقت البلوى صباح مسا يا للجزيرة اضحى أهلها جزرا * للحادثات وأمسى جدها تعسا في كل شارقة إلمام بائعة * يعود مأتمها عند العدا عرسا وكل غاربة إجحاف نائبة * تثني الأمان حذارا والسرور أسى تقاسم الروم لا نالت مقاسهم * ولا عقائلها المحجوبة الإنسا وفي بلنسية منها وقرطبة * ما ينسف النفس أو ما ينزف النفاسا مدائن حلها الأشراك مبتسما * جذلان دار تحل الايمان متبئسا وحيرتها العوادي العاتبات بها * يستوحش الطرف منها ضعف ما أنسا وهي طويلة في سبعة وستين بيتا، وكلها تحسر وأنين على ضياع الأندلس، وتمزق أوصالها، وسقوط قواعدها.
فكان لانشاد هذه القصيدة المبكية التي ما زالت تحتفظ حتى يومنا برنينها المحزن، والتي كانت كأنها نفثة الأندلس الجريح، أبلغ الأثر في نفس الأمير أبي زكريا، فبادر بتجهيز أسطول، شحنه بالسلاح والأطعمة والكسي والأموال. وأقلعت هذه السفن المنجدة على جناح السرعة من ثغر تونس قاصدة إلى ثغر بلنسية ومعها ابن الابار ورفاقه.
ولكن هذه السفن المنشودة لم توفق إلى تحقيق هدفها، لأنها لم تستطع ان تصل إلى مياه الثغر المحصور بآية وسيلة، وطاردتها السفن الأرجونية، فاضطرت ان تفرع شحنتها في ثغر دانية وان تعود ادراجها إلى تونس، واستطاع ابن الابار ورفاقه ان يجوزوا إلى مدينتهم، وتركت بلنسية لقضائها المحتوم.
وهنا شدد الأرجونيون الحصار على المدينة، وبالرغم مما بذله الأمير زيان وقواته من ضروب الاقدام والبسالة، في مدافعة الجيش المحاصر، فقد كان من الواضح انه لا مفر من التسليم، إذا أريد ان تنجو المدينة من العبث والتخريب. ومن ثم فقد بدأت المفاوضة بين زيان وملك أراجون في شروط التسليم. وانتهى الامر بالاتفاق على أن تسلم المدينة صلحا.
واليك كيف يصف لنا ابن الابار، وقد كان شاهد عيان، ما تلا ذلك من لقاء بين الأمير زيان والملك خايمي، ومن ابرام شروط التسليم بينهما، وذلك في يوم الثلاثاء السابع عشر من شهر صفر سنة 636 ه.
قال:
وفي هذا اليوم خرج أبو جميل زيان بن مدافع ابن يوسف بن سعد الجذامي من المدينة، وهو يومئذ أميرها، في اهل بيته ووجوه الطلبة والجند، وأقبل الطاغية وقد تزيا بأحسن زي في عظماء قومه، من حيث نزل بالرصافة أول هذه المنازلة، فتلاقيا بالولجة، واتفقا على أن يتسلم الطاغية البلد سلما لعشرين يوما، ينتقل اهله أثناءها بأموالهم وأسبابهم، وحضرت ذلك كله، وتوليت العقد عن أبي جميل في ذلك، وابتدئ بضعفة الناس، فسيروا في البحر إلى نواحي دانية، واتصل انتقال اسائرهم برا وبحرا، وصبيحة يوم الجمعة السابع والعشرين من صفر المذكور، كان خروج أبي جميل باهله من القصر في طائفة يسيرة أقامت معه. وعندئذ استولى عليها الروم احانهم الله.
ودخل خايمي الفاتح وجنده ثغر بلنسية في يوم الجمعة 27 صفر سنة 636 ه، الموافق لليوم التاسع من أكتوبر سنة 1238 م، فكانت بلنسية، بعد قرطبة ثانية القواعد الأندلسية العظيمة، التي سقطت في تلك الفترة، في أيدي الأسبان، وقد كان انهيار هذه القواعد الأولى من الصرح الأندلسي الشامخ مقدمة لانهيار معظم القواعد الباقية تباعا، في فترة قصيرة، لا تجاوز العشرة الأعوام.
هكذا كان الدور المؤلم الذي لعبه ابن الابار في حوادث سقوط بلنسية. ولقد هزت هذه المحنة مشاعره إلى الأعماق، فلم يطق ان يبقى في الوطن المنكوب. فغادر أميره وغادر الأندلس كلها وعبر البحر إلى تونس، فوصلها في أواخر سنة 636 ه، وعاش حينا في كنف أميرها أبى زكريا يتولى له كتابة العلامة. ثم اخذ يتردد حينا بين تونس وبجاية، يدرس هنا وهنالك. ولما توفي الأمير أبو زكريا في سنة 647 ه، وخلفه ولده المستنصر بالله، التحق ابن الابار ببطانته العلمية، ولكنه لم يكن قريرا مطمئنا إلى هذه الحياة، لما كان يتخللها من غضب السلطان، بسبب دسائس خصومه أحيانا، وبسبب تصرفاته الشخصية النزقة أحيانا أخرى.
واستطاع خصوم ابن الابار في النهاية ان يوقعوا به، ورفعت إلى السلطان بعض أقوال وأبيات نسبت إلى ابن الابار طعنا في السلطان وتعريضا به، فامر السلطان بجلده، ثم بقتله، فضرب بالسياط، ثم قتل طعنا بالرماح، واخذت كتبه و أحرقت في موضع قتله. ووقع مصرع ابن الابار على هذا النحو المؤسى في الحادي والعشرين من شهر المحرم سنة 65 ه 8 يناير سنة 1260 م واختتمت بذلك حياة أعظم شخصية في أدب الأندلس في القرن السابع الهجري. 873:
السيد أبو حامد محمد بن عبد الله بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي بن أخي صاحب الغنية.
له كتاب الأربعين حديثا في حقوق الاخوان قال في اوله:
ان جماعة من اهل الايمان تذاكروا حقوق الاخوان وان أكثر اهل الزمان عنها معرضون فقلت قد ورد في ذلك ما يصعب حصره فسألني بعضهم ان اخرج مما رويته في هذا المعنى ما تيسر فخرجت أربعين حديثا، ثم أوردها فقال فمن ذلك ما أخبرني به عمي الشريف الطاهر عز الدين أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني رضي الله عنه قراءة عليه قال أخبرني الشيخ أبو علي الحسن بن طارق بن الحسن الحلبي الخ ثم أورد حديث من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة كنت له شفيعا يوم القيامة ثم قال الحديث الأول أخبرني عمي الشريف الطاهر عز الدين أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني وخال والدي الشريف النقيب امين الدين أبو طالب أحمد بن محمد بن جعفر الحسيني رضي الله عنه قراءة عليهما قالا أخبرنا القاضي أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة قال أخبرني الشيخ أبو الجليل الفتح عبد الله بن إسماعيل بن أحمد الجلي الحلبي حدثني أبي إسماعيل بن أحمد عن أبيه أحمد بن إسماعيل بن أبي عيسى. 874:
الشيخ محمد بن عبد الله البحراني الشيباني في مستدركات الوسائل انه من جملة مشائخ الشيخ تاج الدين الحسن بن علي الدربي الذي هو من جملة مشائخ المحقق والسيد رضي