حينئذ في الطريق كونه على الوجه المزبور وإن لم يعتد ازدحام الفرسان والإبل والكنائس، إلا أنه ربما اتفق ذلك، خصوصا بناء على أن الأصل المنع لتعلق حق المسلمين بإحيائهم، والمعلوم جوازه من السيرة ذلك لا غيره، نعم لو قلنا: أن الأصل الجواز، لكونه من مباح الأصل، فيقتصر على المتيقن في المنع، اتجه حينئذ ما ذكروه، إلا أن الأول لا يخلو من قوة.
هذا كله في تضرر المارة أما تضرر غيرهم كالجار بالاشراف عليه ونحوه ففي المسالك وغيره لا عبرة به، كما لو وضعه في ملكه واستلزم الاشراف عليه فإن المحرم التطلع عليه لا البناء المشرف عليه.
خلافا للتذكرة حيث الحق الأول بتضرر المارة، وفرق بينه وبين وضعه في ملكه، بأن الروشن في الطريق مشروط بعدم التضرر، لأن الهواء ليس ملكه، بخلاف الموضوع في ملكه، لأن للانسان التصرف في ملكه كيف شاء، وإن استلزم الاشراف على الجار، أو الظلمة عليه، وإنما يمنع من الاشراف لا من التعلية المفضية إلى ذلك، إلى أن قال: ولست أعرف في هذه المسألة بالخصوص نصا من الخاصة ولا من العامة، وإنما صرت إلى ما قلت عن اجتهاد.
ورده بعضهم بأن المعتبر عدم الاضطرار بأهل الطريق من حيث الاستطراق الموضوع له الطريق، أما غير ذلك فلا دليل على المنع منه، بل قد عرفت أنه لا عبرة بضرر غير المعتاد سلوكه فضلا عن غير المار، فهو حينئذ كمن أحدث بناء في مباح استلزم الاشراف عليه، وتقييد العلامة وغيره الضرر بالمارة دليل على ذلك، وإنما عمم هو الضرر في هذا الفرع خاصة.
قلت: يمكن أن يكون بناء العلامة ما ذكرناه من أن المسلمين باحيائهم الطريق صار هو وقراره وهوائه ملكا لهم أجمع، أو كالملك فلا يجوز لأحد منهم التصرف فيه بغير إذنهم، أو إذن وليهم إلا أن السيرة جرت على فعل ذلك، والمتيقن منها الخالي عن ضررهم من جهة الاستطراق وغيره، أما الخالي عن ضرر الاستطراق خاصة دون غيره فلا سيره عليه، فيبقى على أصل المنع، اللهم إلا أن يدعى كونها