عن النبي صلى الله عليه وآله ويتبين من الاستقراء أن كعب الأحبار بعد أن أصبح له شأن بين المسلمين كما بيناه في كتابنا الأضواء، قد سلط من دهائه على سذاجة أبي هريرة لكي يستحوذ عليه وينيمه ليلقنه كل ما يريد أن يبثه في الدين الاسلامي من خرافات وأساطير وأوهام، وكان له في ذلك أساليب غريبة وطرق عجيبة.
فقد ذكر الذهبي في طبقات الحفاظ وفى أعلام النبلاء في ترجمة أبي هريرة أن كعب الأحبار قال فيه، أي في أبي هريرة: ما رأيت أحدا لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة (1).
وقال في سير أعلام النبلاء: أن أبا هريرة قد حمل عن كعب الحبر (2).
وأخرج البيهقي في المدخل عن طريق بكر بن عبد الله عن أبي رافع عن أبي هريرة قال: إن أبا هريرة لقي كعبا فجعل يحدثه ويسأله: فقال كعب:
ما رأيت رجلا لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة (3).
فانظر مبلغ دهاء هذا الكاهن ومكره بأبي هريرة الذي يتجلى من تاريخه أنه كان رجلا فيه غفلة وغرة! إذ من أين له أن يعرف ما في التوراة وهو لا يعرف اللغة العبرية؟ ثم إنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب حتى العربية! على أن التوراة كانت حينئذ مخفية عن المسلمين، ولا يعلمها إلا الأحبار من اليهود.
وإليك سطورا مما وصف به الدكتور طه حسين هذا الكاهن الخبيث:
كان غريب الأطوار، عرف كيف يخدع كثيرا من المسلمين ومنهم عمر - وهو كعب الأحبار، وكان كعب يهوديا من أهل اليمن زعم أنه سأل عليا رحمه الله عن النبي حين ذهب على إلى اليمن مرسلا من رسول الله صلى الله عليه وآله فلما أنبأه على بصفة النبي عرف هذه الصفة مما كان يجده بزعمه في التوراة، ولم يأت المدينة أيام النبي وإنما أقام على يهوديته في اليمن. وزعم هو بعد ذلك للمسلمين أنه أسلم ودعا إلى الاسلام في اليمن. وقد أقبل إلى المدينة أيام عمر،