وكان كثيرا ما يتعاون هو وشيخه على صوغ هذه الغرائب ليستحوذ بها على قلوب الناس وعقولهم، فيكون له بذلك شأن ومكانة بينهم.
وقد حدثناك من قبل عن ناحية من شخصيته وبينا لك أنه كان مصابا بمرض (مركب النقص) فارجع إلى ذلك لكي تستوفى دراسة شخصيته كلها، وتتجلى لك نفسيته على حقيقتها.
وإذا كانوا قد اتهموه كما بينا لك من قبل في بعض رواياته بل كذبوه!
فإننا نقول لأهل عصرنا ولمن يأتي بعدهم:
إنه إذا وجد واحد منهم شيئا في هذه المرويات مما يباين العقل الصريح.
أو العلم الصحيح، أو الحس، أو العيان، أو ما أثبتته البراهين العقلية أو التجارب العلمية، أو مخالفا لنص القرآن الكريم، أو الذوق السليم أو يصادم النواميس الكونية، والاغراض العليا التي يرمى الاسلام إليها، أو نحو ذلك مما يحرج الصدر، أو لا يطمئن به القلب، وتسكن إليه النفس فليطرحه جانبا.
وليس عليه في ذلك بأس ولا تثريب.
ذلك بأنه صلوات الله عليه لا يصدر منه إلا القول السديد، والامر الرشيد، والعمل الحميد: وإذا قال قائل: وماذا نصنع فيما جاء من مثل ذلك عن غير أبي هريرة مثل أنس وجابر وعكرمة وغيرهم. فنقول له: إن الشأن فيه يكون كالشأن في مرويات أبي هريرة سواء بسواء، ونحن لم نخص أبا هريرة بالعناية إلا لأنه كان أكثر الصحابة تحديثا عن النبي صلوات الله عليه، وجاء في رواياته من الاشكالات والخرافات ما لم يأت مثله من غيره، مما كان مدعاة لان يتخذ منها أعداء الدين مآخذ على الاسلام لا تزال قائمة إلى اليوم وبعد اليوم.
ولقد صرح الأئمة " بأنه ليس من أصول الايمان، ولا من أركان الاسلام أن يؤمن المسلم بكل حديث جاء في كتب السنة المشهورة لدى الجمهور ".
ذلك بأن أحاديث هذه الكتب قد جاءت من طريق (الآحاد) الذي يفيد (الظن) - والظن لا يغنى من الحق شيئا - ولذلك لا يؤخذ بها في العقائد التي لا تكون أدلتها إلا من الخبر (المتواتر) وليس هناك أخبار متواترة إلا ما جاء في (القرآن الكريم).