وقائعه حتى خرج في أصدق صورة وأوضح بيان، بحيث يرى في مرآته الصافية حقيقة مروياته الكثيرة المنبثة في كتب السنة كلها، وبذلك يمكن الوقوف منها الموقف الذي تستحقه من التحفظ منها، أو التوقف عنها، تلك المرويات التي تحمل فيما تحمل غرائب وأساطير وخرافات وأوهاما، وتعزى كلها - وا أسفا - إلى النبي صلى الله عليه وآله وتنشر بين المسلمين على أنها من حقائق الدين الاسلامي!
ذلك بأننا لو سكتنا عنها، وجارينا الحشوية والجامدين في قبولها على علاتها، ومنحناها محض ثقتنا، وجعلناها في مصادر ديننا، في عقائدنا وعبادتنا، وتشريعنا، فإنما نكون بذلك قد ألغينا عقولنا، وأسأنا إلى ديننا، واتبعنا سنن من قبلنا، من تقليد آبائهم تقليدا أعمى، وحق علينا حكم الله فيهم، ومن وراء ذلك خطر عظيم آخر يعود علينا وعلى الدين معا.
ذلك بأن الاستمساك بهذه المرويات على ما فيها، يفتح أبواب الطعن على ديننا من أعدائه بأنه دين خرافات وأوهام! يعادي العقل، ويصادم المنطق، ولا يصلح للحياة ويرمى المسلمين بأنهم يأخذون بالتقليد في الدليل وأنهم بذلك قوم لا يعقلون!
فالأحرى بنا، والواجب علينا، أن ندرأ عن أنفسنا وديننا هذه التهم ونشمر عن ساعدنا لتمحيص هذه المرويات، ولا يأخذنا في ذلك أي اعتبار، ولو أدى بنا الامر إلى رفضها أو تكذيبها، كما فعل الذين سبقونا، ولنعلم أننا اليوم قد أصبحنا في عصر لا يسود فيه غير سلطان العقل والعلم، ولا يروج في سوقه إلا ما قام على البرهان العقلي، أو الدليل العلمي وهما والحمد لله قاعدتا الدين الاسلامي في صميمه، أما الخرافات والأوهام وما إلى ذلك مما شاب كل الأديان فقد كسدت سوقها، وبارت تجارتها، وأصبحت مما يجلب الخزي والفضيحة على معتنقيها.
وإنا بما ندعو اليوم إليه، لم نكن بدعا فيه، ولا بأول من يحض عليه، فقد سبقنا إلى ذلك كبار العلماء فدعوا إلى ذلك، وهاك بعض ما قالوه: